ماذا يكمن خلف هذا “الغزل” السعودي الإيراني؟
يبدو أنّ الاتّصالات السعوديّة الإيرانيّة التي انتقلت من السِّر إلى العلن في الأيّام القليلة الماضية، وسط حالة من التّهدئة الإعلاميّة أوشكت على إعطاء ثِمارها، بإعادة العلاقات تدريجيًّا بين البلدين، وربّما إعادة فتْح السّفارات والقنصليّات في كُل من الرياض وطِهران في المُستقبل المنظور.
البداية تجسّدت في أربعة لقاءات سريّة في بغداد بين مسؤولين أمنيين كانَ آخِرها في نيسان (ابريل) الماضي، ولكنّها توقّفت دون أن تُحقّق الأهداف التي انعقدت من أجلها، ولكن يبدو أن التغيير شِبه الجذري في العلاقات السعوديّة الأمريكيّة وإدارة الأولى ظهرها للثانية، وتوثيق علاقاتها مع الصين وروسيا مهد لاستئناف اللّقاءات رسميًّا وعلنيًّا بين مسؤولين في البلدين في الأسابيع القليلة الماضية، ويُمكن رصدها في العديد من اللّقاءات اتّسمت بالوديّة:
أوّلًا: إعلان السيّد حسين أمير عبد اللهيان عقده لقاء مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان على هامِش انعِقاد “قمّة بغداد” الثانية في العاصمة الأردنيّة عمّان وللمرّة الأولى مُنذ سنوات.
ثانيًا: زيارة وفد إيراني يوم 6 كانون ثاني (يناير) الحالي لمدينة جدة بدعوةٍ سعوديّة وتوصّله إلى تفاهم بشأن الحج والعمرة، وقّعه رئيسه صادق الحسيني ووزير الحج والعمرة السعودي توفيق الربيعة في أجواء جرى وصفها بأنّها كانت وديّة للغاية، وينص هذا التّفاهم على عودة الحجاج الإيرانيين وبالأعداد المُتّفق عليها لأداء مناسك الحج والعمرة.
ثالثًا: لقاء السيّد محمد الحسيني نائب الرئيس الإيراني للشّؤون البرلمانيّة بالسيّد فيصل بن فرحان وزير الخارجيّة السعودي يوم الاثنين الماضي أثناءمُشاركتها في حفل تنصيب الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، أمام عدسات المُصوّرين الذين كانون يُغطّون الحفل وينقلون وقائعه.
رابعًا: تأكيد السيّد عبد اللهيان في المُؤتمر الصّحافي الذي عقده في بيروت مع نظيره اللبناني في ختام زيارته لبيروت أمس الجمعة على أمل بلاده في تطبيع العلاقات مع السعوديّة، بما يشمل إعادة فتح السّفارات بعد إغلاقها عام 2016 بسبب اقتحام السّفارة السعوديّة من مُحتجّين على إعدام رجل الدين الشيعي السعودي المُعارض الشيخ نمر النمر، وربّما اختيار بيروت لإطلاق هذا التّصريح هو رسالة للقوى السياسيّة اللبنانيّة، وللعاصمة السوريّة التي بدأ اليوم السبت زيارةً رسميّةً لها.
هذا التّقارب الذي يتم بشكلٍ مُتسارع، وعلى نارٍ هادئة أعطى ثماره الأولى في التوصّل إلى هدنة في الحرب اليمنيّة اقتربت من إكمال عامها الأوّل، وتُفيد تقارير إخباريّة غير رسميّة بأنّ الهدنة قد تتحوّل إلى اتّفاقٍ دائم لوقف إطلاق النار، بعد قُرب التوصّل إلى تسويةٍ سياسيّة دائمة بين صنعاء والرياض بفضل وساطة لسلطنة عُمان، التي يتواجد وفد لها حاليًّا في العاصمة اليمنيّة لنقل مُقترحات سعوديّة في هذا الصّدد بخُصوص إعادة فتح المطارات والموانئ وتبادل الأسرى، ومُساعدات ماليّة واقتصاديّة.
الأمر المُؤكّد أن هذا التقارب السعودي الإيراني المُتسارع يُثير قلق الولايات المتحدة الأمريكيّة، وإسرائيل، إذا تطوّر إلى تعاونٍ إقليميّ، وإنهاء حالة العداء بين البلدين، فالولايات المتحدة لعبت دورًا كبيرًا في تَصعيدِ هذا العداء في إطار سياستها بحِصار إيران، وفرض عُقوبات اقتصاديّة خانقة ضدّها لإجبارها على العودة إلى الاتّفاق النووي.
أما بالنسبة إلى دولة الاحتِلال الإسرائيلي فقد كان لافتًا أن المملكة العربيّة السعوديّة لم تنضم (حتّى الآن) إلى منظومة “مُنتدى النقب” التي أسّستها الولايات المتحدة وتزعّمها وزير خارجيّتها أنتوني بلينكن، وتضم أربع دول عربيّة هي مِصر والإمارات والبحرين والمغرب، إلى جانب “إسرائيل” بهدف مُواجهة “الخطر الإيراني” على المِنطقة.
ليس من الحكمة استباق الأحداث، وإطلاق أحكام جازمة حول هذا الغزل السعودي الإيراني وإمكانيّة تتويجه بإنهاء حالة العداء العميقة بين الدّولتين المُتنافستين على زعامة المِنطقة، ولكنّ المُؤشّرات الأوّليّة تُفيد بحُدوث تقدّمٍ “إيجابيّ” من غير المُستَبعد أن يُؤدّي إلى “انفراجةٍ” يُمكن أن تتوسّع بشَكلٍ تدريجيّ وبما يتماشى مع المُتغيّرات العالميّة والإقليميّة المُتسارعة على أرضيّة حرب أوكرانيا وتداعياتها، وتراجع الهيمنة الأمريكيّة وتفرّدها بالسّيطرة على النظام العالمي على مدى الثّمانين عامًا الماضية لمصلحة نظام جديد مُتَعدّد الأقطاب بزعامة روسيا والصين يتكرّس بشَكلٍ مُتسارع.. واللُه أعلم.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية