أحوال الدنيا

ماركة الملك ترامب في الحكم!!

د. فؤاد شربجي

لابد من تسجيل براءة اختراع (السلطوية الحديثة) في الحكم باسم الرئيس ترامب. وبالأمس بات على الجميع الإقرار بعائدية (فانتازيا إعلامية) جديدة لترامب وتستعمل لتدمير الخصوم أيديولوجيا. وتكرست براءة الاختراع لهذا الإعلام بفيلم (الملك ترامب) وهو يخضع المعارضة السياسية بالسيف ويرد على احتجاجات الشعب برمي الخرى والقاذورات على المظاهرات المحتجة في المدن الأمريكية.

‏النسخة التجريبية للفنتازيا الإعلامية هذه كان بالفيلم المتخيل والمفبرك بالذكاء الاصطناعي. والذي صور فيه اعتقال الرئيس اوباما الجالس مع ترامب في البيت الأبيض. حيث يدخل عدد من رجال الأمن ليجبروا أوباما على الركوع لتقييده واقتياده إلى السجن. بينما ترامب يبقى جالسا على كرسيه سعيدا منتصرا منتشيا بانتقامه من أوباما. ومثل هذا الفيلم القصير المفبرك يريد أن يزرع في وجدان المتابع المشاهد صور إذلال اوباما وانتصار ترامب عليه. الآن يطور ترامب هذا الجنس الإعلامي بفيلم جديد يصوره كملك يضع تاج الملكية على رأسه بنفسه كما فعل نابليون. ويستل سيفا ضخما من سيوف فرسان العصور الوسطى ليجبر خصومه السياسيين أمثال بيلوسي وبايدن وبقية الديمقراطيين على الإنحناء والركوع أمامه. ثم يستقل طائرته الحربية لإلقاء الخرى والقاذورات على المظاهرات المحتجة على حكمه وقراراته. ويصور الفيلم بالتفاصيل كيف تنزل القاذورات والخرى على المتظاهرين فردا فردا. ملك لا يناقش على عرش البيت الأبيض. وملك بالقوة يركع ويستعبد خصومه. ويصب الخرى على الشعب المتظاهر ضده. فهل هذه أمريكا الدستور والقانون وحرية التعبير؟؟ أم أنها الملكية الترامبية المنتصرة على الدستور والديمقراطية؟؟

‏إذا بقينا في الفنتازيا واستطاع الآباء المؤسسون الخروج من قبورهم للاحتجاج على ما يفعله ترامب بالدستور والديمقراطية التي أرسوها في أمريكا، حتى لو استطاعوا القيام بذلك فإنهم سيتعرضون من ترامب على رد لا يخطر في بال أحد. فمن يرمي الشعب المحتج بالخرى والقاذورات يفعل كل شيء. ويتوقع منه ما هو أفظع. لذلك يبدو أن الآباء المؤسسين سيبقون في قبورهم مكتفين برجفان عظامهم من الغضب والاستنكار لما آلت إليه الديمقراطية التي أسسوها. ترامب يحول ديمقراطية الآباء المؤسسين إلى سلطوية ملكية، ويجعل من البيت الأبيض بلاطاً لا يضم إلا المبخرين والممجدين لملكهم والمنفذين لقراراته وأهوائه. أما عن دستور الآباء المؤسسين فحل محله حدس ترامب العبقري. ألم يقل في خطابة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة “أنا على حق دائما”. وألم ينصح قادة أوروبا بقوله ” إن كنتم تريدون النجاة وانقاذ بلادكم فاتبعوني”. وألم يجعل من رئاسته ماركة تجارية يتقاضى مقابلها الأرباح. يضع صورته على العمل المشفرة ميمو بتكوين وينال 30% من عائداتها. ويضع اسمه على ملعب ونادي غولف في فيتنام وينال عليه الأرباح. اما فندقه في واشنطن فينزل فيه كل من يريد مقابلة الرئيس كممر يسهل المقابلة. كما أن ترامب بإصراره على المكوث في منتجعه مارالاغو مما يجبر أفراد حراسته من الخدمة الخاصة على الإقامة في المنتجع والنوم في فندقه وتناول الطعام في مطاعمه، وهذا يكلف الإدارة الملايين من الدولارات. وهذه مجرد أمثلة لجعل الرئاسة ماركة تجارية تدر الأرباح على الرئيس وعائلته وأصدقائه. فكيف لا ترتجف عظام الآباء المؤسسين في قبورهم؟؟ وكيف سيتقبلون إلقاء الخرى والقاذورات على مظاهرات المحتجين التي عمت جميع الولايات الأمريكية.

‏ترامب وضع السلطوية المطلقة محل الديمقراطية. وجعل من حدسه وعبقريته بديلا للدستور. وحول البيت الأبيض إلى بلاط لملك لا يضم إلا اتباعه ومؤيديه. وعوضا عن الليبرالية والإنتاج والسوق الحرة جعل ترامب من الرئاسة ماركة أكثر ربحا. وبدلا من حرية التعبير والاحتجاج يقدم ترامب فانتازيا إعلامية. تصور مصير من يحتج من الشعب وهو يتلقى الخرى والقاذورات من طائرة الملك ترامب.

‏هل بات العالم أمام نموذج للحكم تحل فيه السلطوية محل الديمقراطية، ويشغل حدس وغريزة الحاكم مكان الدستور. ويجعل التربح من الحكم سوقا جديدة تترسخ فيها الصفقات محل السياسات والاستراتيجيات. إنها (الملكية السلطوية) ماركة أميركية جديدة للحكم والربح. والأب المؤسس لها، والملك المتوج عليها دونالد ترامب. فهل نحن أمام ماركة جديدة للحكم ستعمم السلطوية الجديدة في أنظمة الحكم ؟؟؟!!

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى