ماكرون في لبنان : غورو الجديد، أم روتشيلد الحديث، أم مختار المخاتير ؟؟!!

 

كما في مسرحية ميس الريم فإن ماكرون يأتي من أوربا العجوز مختاراً للمخاتير، ليصلح بين أهالي ميس الريم ( لبنان) . وكما يحاول مختار المخاتير إصلاح أحوال الضيعة، فإن ماكرون يريد إصلاح الأحوال السياسية اللبنانية بإطلاق عملية الإصلاح في العمل الحكومي السياسي الإقتصادي الإجتماعي، إلى حد طرحه ضرورة الإتفاق على ( عقد سياسي جديد ) . فماذا في جعبة ماكرون ؟؟ و ما الذي يمكن أن ينجزه في لبنان؟؟ و هل سيسمع من فيروز عن أحوال ميس الريم، وعن حقيقة الأسباب التي ألغت الحب والزواج و العرس؟؟ و الأكيد أنه لا يوجد بين السياسيين من هو بوطنية ولبنانية وعمق فيروز. وربما يكون ماكرون ابتدأ زيارته من بيت هذه الروح المبدعة، وهو أهم نجاح قد يحققه الرئيس الفرنسي في لبنان..

الزيارة كانت في الأصل إحتفالية بروتوكولية بمناسبة مئوية قيام لبنان الكبير. ولكن إنفجار المرفأ وكارثة بيروت الأخيرة جعلت من الزيارة محطة سياسية يسعى من خلالها ماكرون لإستعادة الحضور الفرنسي في المنطقة بدءاً من لبنان. و شجعه على هذه الإندفاعة ولقيه أثناء زيارته إلى الأحياء المتضررة من الإنفجار ( الجميزة والأشرفية) في اليوم التالي للكارثة، حيث عامله اللبنانيون كالمنقذ، وطالبوه أن يقف معهم تجاه الطبقة السياسية التي أنتقلت من سرقة الشعب إلى قتله، و لو بلإهمال والفساد. وربما هذا ما جعل ماكرون يعلن أن الطبقة السياسية اللبنانية فاسدة، ولا بد من التغيير، و لا بد من ( عقد سياسي جديد) . ووعد اللبنانيين  بعودته هذه لدفع عملية تنفيذ وعوده بالتغيير..

لم تعد مقومات مشروع ماكرون سرا”, إبتدأً من لبنان. فقد صرح قبل أيام أنه يريد إستعادة الدور الفرنسي في شرق المتوسط, بمواجهة تركيا وروسيا. و هذا طبعاً متعلق بالنفط والغاز. كما أعلن في حديثه هذا أنه سيعمل على إعادة بناء الدولة في لبنان وسورية ( هنا تمثّل غورو )، و سيدفع إلى إنجاز خطوات في مسار السلام الإسرائيلي الفلسطيني. كل ذلك للحد من ( الخطر الإيراني) على المنطقة كما رأى ماكرون ( روتشيلد الحديث). ولكن هل يستطيع ماكرون أن يكون ( غورو الجديد) و ينشئ دولاً و يغير أنظمة في العصر الروسي- الأميركي، ومع الصعود الإيراني الصيني، والضغط التركي القطري. وهل نسي ماكرون أن لبنان دولة ّذات سيادة وأن سورية دولة كسرت الإرهاب  والمخطط الأطلسي الصهيوني دفاعاً عن سيادتها و إستقلالها؟؟  وهل فاته قوة حزب الله وتأثيره في لبنان والمنطقة؟؟ وهل يظن أن الشعب اللبناني السوري يمكن أن يضحي بسيادته واستقلاله نكاية بالفساد المجرم ؟؟

الخوف أن يكون مشروع ماكرون، في لعب دور ( غورو الجديد)، يأتي بتكليف أميركي. و المصيبة أن يكون إعتماده الأميركي, بإعتباره ممثلاً للـ( الروتشيلدية الحديثة) المتحالفة مع المحافظين الجدد في الإدارة الفرنسية. و بذلك نكون أمام مشروع أطلسي غربي صهيوني يستحضر مزيج غورو و روتشيلد مغلفاً بطبقة باهتة من ديغولية محببة في المنطقة العربية. وإذا فسرنا كلام ماكرون عن تغيير الدولة في لبنان وسورية، فإن المعنى المكشوف يشير إلى مشروع إعادة رسم طبائع دول المنطقة لتكون في خدمة إسرائيل العظمى بفعلها لا بحدودها.. و هذه هي  اللا عقلانية في تفكير ماكرون، وهذه هي سياسة تطبيق الوهم والخبل بديلاً عن الواقع. فهل ينجح ماكرون بإستثمار ما يفعله الفساد السياسي ليمرر المخطط الأطلسي الصهيوني ؟؟؟

و إذا صح ما قالته صحيفة ( الفيغارو) حول قيام ماكرون بمساندة ترامب بالتهديد بالعقوبات على شخصيات سياسية من مثل جبران باسيل، ونبيه بري، وسعد الحريري، إضافة لبنات الرئيس عون, إن لم ينخرطوا في تشكيل الحكومة، وهذا ما جعل الإستشارات تصب لصالح مصطفى أديب كرئيس للحكومة. و إذا كان صحيحاً أن والد زوجة أديب الفرنسية يعمل في الإليزية، وأن أديب نفسه قريب من الرئاسة الفرنسية، فإن كل ذلك يؤكد أن ماكرون يحمل مشروعاً سياسياً تفصيلياً. و هناك من يرى في تجاوب الثنائي الشيعي، ما يشي بإتفاق فرنسي إيراني على التعاون في لبنان على حل ربما يقود إلى بدء حلحلة الأزمة الإيرانية الأميركية.. إذا صح كل ذلك، فنحن بالفعل أمام مشروع فرنسي لإستعادة الدور الفرنسي الأطلسي الروتشيلدي غير العابئ بموقف الدول العربية الأخرى …

لو أن أمور العرب طبيعية، كان من واجب ماكرون في ذكرى مئوية لبنان الإعتذار من الشعب العربي عامة، ومن من الشعب اللبناني السوري خاصة، عما قام به الإنتداب من تقسيم و تكريس للدولة الطائفية في لبنان. و لكن حكام العرب بإستكمالهم أعمال الإنتداب بواسطة الإيغال في إضعاف شعوبهم و تدمير بلدانهم، جعلوا المنطقة و شعوبها عرضة لروتشيلدية حديثة على يد غورو الجديد الذي يختبئ وراء مساعدة اللبنانيين المنكوبين بحكامهم..

يبقى أمر أساسي, على ماكرون فهمه جيداً و هو أن من يمثل لبنان، أكثر من كل السياسيين ، هي فيروز لأنها عنوان للحضارة الشامية المبدعة المتألقة,كزهرة الحرية الخالدة… على ماكرون أن يعي بأن هذه الروح الوطنية المبدعة هي كلبنان وسورية لا يمكن خداعها أو تضليلها، و هي لوطنها دائماً ( بترجع تتعمر) …. فهل يفهم ماكرون أن لبنان ( قطعة من السما) أعلى من كل محاولات الأطلسي ؟؟ و هل سيتصرف على هذا الأساس؟؟ أم أننا بالفعل أمام روتشيلدية حديثة يطبقها غورو الجديد.. عندها سيكون للبنان و سورية كلام آخر.

باب الشرق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى