تحليلات سياسيةسلايد

ماكرون يبدي حزما حيال الجزائر بعد نفاد صبر فرنسا

وجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم حكومته للتحرك بمزيد من الحزم والتصميم تجاه الجزائر، مشيرا إلى “مصير” الكاتب بوعلام صنصال والصحافي كريستوف غليز المسجونين في الدولة المغاربية، وطلب اتخاذ قرارات إضافية في هذا الصدد، في أوضح دليل على أن العلاقات بين البلدين دخلت منعرجا حاسما.

ومن بين التدابير التي وردت في رسالة وجهها إلى رئيس الحكومة فرنسوا بايرو واطلعت عليها صحيفة “لوفيغارو”، طلب رئيس الدولة أن تعلق الحكومة رسميا تطبيق الاتفاقية المبرمة عام 2013 مع الجزائر بشأن إعفاءات التأشيرة لجوازات السفر الرسمية والدبلوماسية.

وهذا الإجراء يُقرّ الوضع القائم حاليا بحكم الأمر الواقع، فقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في 14 مايو/أيار إعادة جميع الدبلوماسيين الحاملين لجوازات سفر دبلوماسية والذين لا يحملون تأشيرة حاليا إلى الجزائر، موضحا أن فرنسا كانت تردّ آنذاك على القرار الجزائري الذي وصفه بأنه “غير مبرر”  و”لا يمكن تبريره” بطرد موظفين فرنسيين.

كما طلب ماكرون من الحكومة أن تستخدم “فورا” أحد أحكام قانون الهجرة لعام 2024، وهو بند يسمح برفض تأشيرات الإقامة القصيرة لحاملي جوازات السفر الوظيفية والدبلوماسية، وكذلك تأشيرات الإقامة الطويلة لجميع أنواع المتقدمين.

وطلب من رئيس وزرائه تكليف وزير الداخلية برونو روتايو الذي يتبنى موقفا متشددا تجاه الجزائر، إيجاد سبل ووسائل تعاون مفيد مع نظيره الجزائري في أسرع وقت ممكن، معربا عن أمله في التحرك دون هوادة في مواجهة انحراف أفراد جزائريين في وضع غير نظامي.

وأضاف “بعد أن تروا أن شروط نظامنا الدبلوماسي مستوفاة، يمكنكم السماح للقناصل الجزائريين الثلاثة الموجودين حاليا على أراضينا بممارسة مهامهم، مع المطالبة باستئناف التعاون في مجال الهجرة”، متابعا أن “هذا الاستئناف وحده سيتيح أن نستقبل خمسة قناصل آخرين ينتظرون الترخيص”.

وشدّد ماكرون على أن “رد السلطات الجزائرية على مطالبنا المتعلقة بالتعاون بشأن الهجرة والعمل القنصلي سيحدد خطواتنا التالية”، موضحا أنه “بمجرد استئناف الحوار، سيتعين علينا أيضا معالجة ملفات ثنائية حساسة أخرى”، مشيرا إلى ديون المستشفيات وتصرفات بعض الأجهزة الحكومية الجزائرية على الأراضي الوطنية، ولكن أيضا قضايا الذاكرة العالقة.

وتعكس هذه الدعوة إحباطًا فرنسيًا من عدم إحراز تقدم في قضايا حيوية عبر القنوات الدبلوماسية المعتادة، مما دفع ماكرون إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة.

وتعد قضية الهجرة وإعادة قبول الرعايا الجزائريين غير الشرعيين في فرنسا نقطة خلاف رئيسية، فيما ينظر إلى الحزم الذي أبداه الرئيس الفرنسي على أنه استجابة للدعوات المتزايدة للضغط على الجزائر.

وتشهد العلاقات الفرنسية الجزائرية توترًا دبلوماسيًا متصاعدًا في الآونة الأخيرة، يعكس تاريخًا معقدًا ومليئًا بالخلافات بين البلدين، ورغم فترات من التحسن، تعود الأزمات لتطفو على السطح بسبب عدة قضايا حساسة.

وتفاقمت الأزمة بعد اعتقال الكاتب الفرنسي من أصل جزائري بوعلام صنصال في الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 والحكم عليه بخمس سنوات سجنا، وتصاعد التوتر إثر توقيف موظف قنصلي جزائري في باريس في أبريل/نسيان  2025 بتهمة التورط في اختطاف معارض جزائري. ورداً على ذلك، طردت الجزائر 12 دبلوماسيًا فرنسيًا، وردت فرنسا بالمثل بطرد 12 موظفًا قنصليًا جزائريًا واستدعت سفيرها للتشاور، مما يدل على مبدأ “المعاملة بالمثل” الذي تتبناه الحكومة الجزائرية في سياستها الخارجية.

ولا يزال ملف الذاكرة والاستعمار يمثل عقبة رئيسية في العلاقات، حيث ترفض فرنسا مراجعة شاملة لدورها الاستعماري، بينما تطالب الجزائر بالاعتراف بالجرائم المرتكبة خلال 132 عامًا من الاستعمار.

وتتهم الجزائر باريس بالتدخل في شؤونها الداخلية من خلال دعم بعض المعارضين. كما ترى أطراف جزائرية أن الأزمة الحالية يثيرها اليمين واليمين المتطرف في فرنسا لأغراض سياسية داخلية.

وشهدت الأزمة تصعيدًا في الخطاب من الجانبين، مع تبادل الاتهامات والاتهامات المضادة، مما يعيق أي جهود للتهدئة، فيما أدت التوترات إلى تراجع الصادرات الفرنسية إلى الجزائر، حيث بدأت الشركات الفرنسية تفقد دعمها وتواجه صعوبة في الحصول على عقود في البلد الواقع في شمال أفريقيا.

وتسعى الجزائر إلى تنويع شركائها التجاريين والحد من ارتهانها لفرنسا، مفضلة دولًا مثل تركيا والصين وإيطاليا وكوريا الجنوبية. وهناك مخاوف من أن تؤثر هذه الأزمة على الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا، مع إمكانية تشديد شروط منح التأشيرات وفرض قيود على حاملي الجوازات الدبلوماسية.

ميدل إيست أون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى