ماكرون يشترط إصلاحات سياسية لدعم لبنان
اشترط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تصريحات أدلى بها الثلاثاء خلال تواجده في بيروت، إصلاحات سياسية لتقديم الدعم إلى لبنان “المنكوب“.
وقال ماكرون خلال زيارته الثانية إلى لبنان منذ الانفجار المروع الذي هز بيروت في الرابع من أغسطس/آب، إنه “لن يطلق الأموال التي تم التعهد بها للبنان في مؤتمر باريس 2018 ما لم تنفذ إصلاحات سياسية“.
وأضاف أنه يريد معرفة الأرقام الحقيقية بشأن النظام المصرفي اللبناني، داعيا إلى تدقيق في الحسابات، مؤكدا أنه يستخدم ثقله من أجل تشكيل حكومة لبنانية جديدة وتنفيذ إصلاحات.
وحذر الرئيس الفرنسي السياسيين اللبنانيين من احتمال فرض عقوبات إن هم عجزوا عن وضع البلاد على مسار جديد في غضون ثلاثة أشهر، مكثفا الضغوط الرامية لتطبيق إصلاحات في بلد يئن تحت وطأة أزمة اقتصادية قاسية.
وبعد مشاورات نيابية أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون الأحد تكليف الدبلوماسي مصطفى أديب بتشكيل الحكومة وحضي الأخير بدعم برلماني سهل طريقه لرسم الحكومة الجديدة.
لكن مهمة أديب لإخراج لبنان من نفق الأزمة الخانقة، تبدو كمن يسير في حقل الغام بالنظر للوضع المعقد والمتردي اقتصاديا واجتماعيا وفي ظل مشهد سياسي يصفه البعض بالمتعفن وعلى ضوء هيمنة حزب الله التي أدخلت لبنان في نفق مظلم.
ويضغط ماكرون لضمان تشكيل حكومة لبنانية جديدة بمنأى عن الأحزاب والطائفية، فيما يقف حزب الله النافذ في لبنان منذ سنوات بمثابة حجر العثرة أمام تقديم المساعدات الدولية بيروت، خصوصا وأن دولا غربية وخليجية تصنف الجماعة الشيعية الموالية لإيران ضمن التنظيمات الإرهابية.
ولطالما فاقمت أنشطة حزب الله الممتدة على نطاق واسع عزلة لبنان اقتصادية وأغلقت منافذه التجارية وتسبب في تراجع الدعم الدولي في العقود الأخيرة.
وبدأ الرئيس الفرنسي زيارته لبيروت الاثنين بلقاء أيقونة الغناء اللبناني المطربة فيروز، وهي واحدة من أشهر المطربين في العالم العربي يعتبر صوتها موسيقى تصويرية للبنان من أوج ازدهاره مرورا بصراعاته وحتى أحدث صدمة تعرض لها.
كان الغضب من النخبة السياسية اللبنانية نتيجة الانهيار الاقتصادي وانفجار مرفأ بيروت الهائل هذا الشهر حاضرا لدى وصول ماكرون إلى منزل فيروز (85 عاما) التي تعد كنزا وطنيا ورمزا للسلام يتجاوز الانقسامات بين الفصائل والطوائف في لبنان وخارجه.
وظهر محتجون في بث تلفزيوني مباشر خارج منزل فيروز حاملين لافتات تعارض تشكيل حكومة مع القتلة” وتحذر ماكرون من “الوقوف في الجانب الخطأ من التاريخ”.
وقابل ماكرون مطالب المحتجين بانحناءة بسيطة. وصرخ البعض قائلين “أديب لا” وذلك في إشارة إلى رئيس الوزراء اللبناني الجديد مصطفى أديب الذي رشحه الزعماء اللبنانيون الاثنين تحت ضغط فرنسي. وعند انتهاء الزيارة، توقف ماكرون للحديث مع المحتجين.
وأمكن سماعه يقول في بث تلفزيوني “قطعت التزاما لها (فيروز) مثلما أقطع التزاما لكم هنا الليلة بأن أبذل كل شيء حتى تطبق إصلاحات ويحصل لبنان على ما هو أفضل. أعدكم بأنني لن أترككم”.
ويزور ماكرون بيروت للمرة الثانية خلال أقل من شهر كي يحث السياسيين على تشكيل حكومة مؤلفة من خبراء وقادرة على القضاء على الفساد والهدر والإهمال وإعادة البناء بعد الانفجار المدمر الذي شهده مرفأ بيروت هذا الشهر وأودى بحياة 190 شخصا.
ووصف ماكرون زيارته لفيروز بأنها “جميلة وقوية للغاية”. وقال “تحدثت معها عن كل ما تمثله بالنسبة لي عن لبنان نحبه وينتظره الكثير منا. عن الحنين الذي ينتابنا”.
وعندما سئل عن أغنيته المفضلة لفيروز أجاب بأنها “لبيروت” التي كانت تذيعها القنوات المحلية بينما كانت تعرض صورا للانفجار وتبعاته.
ونادرا ما تتحدث فيروز لوسائل الإعلام رغم إذاعة أغنياتها عبر موجات الأثير من الرباط وحتى بغداد.
وفي واحدة من أشهر أغنياتها تقول فيروز “حبيتك بالصيف! حبيتك بالشتي!” وهي أغنية طُرحت قبل دخول لبنان في أتون حرب أهلية استمرت بين عامي 1975 و1990، وهي فترة كان لبنان لا يزال فيها مشهورا بلقب “سويسرا الشرق الأوسط”، حيث كان يجتذب مشاهير هوليوود إلى مطاعمه وشواطئه البديعة.
وكان اللبنانيون يستمعون إلى أغنياتها على اختلاف دياناتهم وطوائفهم، سواء كانوا من المسيحيين أو المسلمين أو الدروز، حتى وإن كانوا يسفكون دماء بعضهم البعض في الشوارع.
وقال ماكرون للصحفيين عقب وصوله إنه مع احتفال لبنان بمئويته فإن ثمة فرصة سانحة “للسعي وتعلم الدروس والتطلع إلى المستقبل”.
ونالت فيروز إعجاب رؤساء فرنسيين آخرين. فقد منحها الرئيس فرانسوا ميتران وسام قائد الفنون والآداب عام 1988 ومنحها الرئيس جاك شيراك وسام فارس جوقة الشرف في عام 1998.
وقال المغني اللبناني ملحم زين لوكالة رويترز للانباء إن لقاء ماكرون بفيروز سيكون رسالة مفادها أن “هذا هو لبنان الذي نريده”.
وكان أول ظهور لفيروز، التي ولدت باسم نُهاد حداد، على تلفزيون أوروبي عام 1975 في برنامج فرنسي. وفي عام 1979، تضمنت أغنيتها “إلى باريس!” كلمات تقول فيها “يا فرنسا شو بقلن لأهلك عن وطني الجريح؟”.
وخلال الحرب الأهلية قامت فيروز بجولة في الخارج، وأحيت حفلا غنائيا واحدا فقط في لبنان على خشبة مسرح بين شطري بيروت التي كانت مقسمة بسبب الحرب آنذاك.
ميدل إيست أونلاين