ما بعد المؤتمرات الحزبية(جيمس زغبي)

جيمس زغبي

جرت العادة أنه فقط بعد انتهاء المؤتمرين "الجمهوري" و"الديمقراطي"، يبدأ الناخبون حقاً في التركيز على الاختيارات التي أمامهم وتبدأ الحملتان الانتخابيتان فعلياً. غير أن هذه السنة مختلفة في الواقع. ذلك أن الناخبين كانوا منتبهين ونسبة مهمة منهم تقول إنها حسمت أمرها واتخذت قرارها. وتُظهر معظم استطلاعات الرأي أن هذا السباق الانتخابي سيكون محتدماً ومتقارباً، حيث يتعادل المرشحان أو تفصل بينهما نقطة مئوية واحدة فقط. وعلى الأرجح، فإن العديد من العشرة إلى الخمسة عشر في المئة من الناخبين الذين يقولون إنهم مازالوا مترددين ولم يحسموا أمرهم بعد لن يصوتوا يوم الاقتراع. وهكذا، فإن هذه الانتخابات قد لن تُحسم من خلال الفوز بأصوات "الناخبين المتأرجحين" المترددين بقدر ما ستحسم من قبل المرشح الذي سيعرف كيف يزرع الحماس في أنصار حزبه ويعبئهم. وهذا سيكون أحد محاور تركيز الحملة الانتخابية، تماماً مثلما كان محور تركيز المؤتمرين اللذين اختتما للتو.
والواقع أن مؤتمري الحزبين كانا مختلفين في الماضي حيث كان يذهب المندوبون إلى الاجتماع الذي يعقد كل أربع سنوات بقصد اتخاذ قرار بشأن المرشح ومناقشة البرنامج. ولكن هذا ليس هو الحال هذا العام. وبدلاً من ذلك، فإن المؤتمرين أصبحا حدثين إعلاميين لكل واحد منهما سيناريو خاص به، وحيث تحدَّد صور المرشحين وتُعرض رسائلهما، وإذا كان المؤتمر ناجحاً، فإن الحماس والإلهام يسودان في صفوف الأنصار.
الرئيس أوباما ومنافسه "الجمهوري" ميت رومني شعر كلاهما بتحديات مماثلة شيئاً ما خلال مؤتمريهما. فقد اضطر رومني لـ"عقد اتفاق" مع القاعدة المحافظة لحزبه، التي لم تكن تثق في التزامه تجاه المبادئ المحافظة، وتقديم نفسه بشكل أفضل كـ"رجل عادي" للناخبين المستقلين الذين يميلون إلى الحزب "الجمهوري"، والذين لم يستطيعوا التعاطف مع صورته كـ"رجل غني". وقد اعتمد على رفيقه في السباق لتحقيق الهدف الأول، وعلى زوجته لتحقيق الهدف الثاني. وإلى حد ما، يمكن القول إن كليهما نجحا، مع أنصار الحزب على الأقل.
ومن جانبه، اضطر أوباما أيضاً لـ"عقد اتفاق" مع أنصاره حيث اضطر لتناول خيبة أمل البعض منهم بسبب حقيقة أنه لم يستطع تحقيق التوقعات المرتفعة على نحو مبالغ فيه التي أفضت إلى وصوله إلى الرئاسة. واضطر إلى الدفع بحجة مقنعة بخصوص لماذا يستحق ولاية أخرى ليحل خلالها المشاكل التي مازالت تبتلي أميركا. ولأن الاعتماد على مهاراته الخطابية ما كان ليكفي، فإنه لجأ إلى كل من الرئيس السابق بيل كلينتون، و"النجمة الصاعدة" إليزابيث وارن، المرشحة لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوسيتس، وجو بايدن من أجل التأكيد على نجاح مقاربته، ثم طلب ولاية أخرى من أجل إنهاء العمل الذي بدأه.
وبشكل عام، فهذه الموضوعات التي تمحور حولها المؤتمران. ففي مؤتمر الحزب "الجمهوري"، تناوب المتحدثون على انتقاد أوباما بدعوى أنه لم يخلق الوظائف، فقالوا إنه ليست لديه أي فكرة عن كيفية اشتغال الاقتصاد، وجادلوا بأن سبب هذا الفشل هو اعتماده على الحكومة بدلا من المبادرة الفردية.
وبالمقابل، حكى المتحدثون خلال المؤتمر "الديمقراطي" الواحد تلو الآخر قصصاً حول كيف أن حيواتهم تحسنت بفضل السياسيات التي تبنتها الإدارة: إنقاذ الوظائف، وتوفير الرعاية الصحية، وجعل التعليم في متناول الجميع، وحماية حقوق النساء، وتقوية الشركات، وتوظيف الجنود العائدين من العراق أو تعليمهم.
وقد كان لافتاً بشكل كبير تباين فلسفتي زعيمي الحزبين "الديمقراطي" و"الجمهوري"، ذلك أن أوباما يؤمن بأن الحكومة تستطيع لعب دور مهم في تعزيز الاقتصاد عندما يقتضي الأمر ذلك وإعانة للأشخاص الذين يحتاجون إلى يد المساعدة، هذا في حين يؤمن "رومني" بأن على الحكومة أن تفسح الطريق للشعب حتى تستطيع المبادرات الفردية تنمية الاقتصاد.
مؤتمر الحزب "الجمهوري" تم تقصيره بيوم واحد بسبب إعصار "ايزاك"، وقد عرف بعض التشويش نتيجة استياء أنصار "رون بول"، الذي خسر أصواتاً في لجنتي القوانين والبرنامج السياسي. كما كان هناك أيضاً الإلهاء وتشتيت الانتباه الذي تسبب فيه الكثير من "النجوم الصاعدين" الجمهوريين الذين ركزت خطاباتهم عليهم بدلاً من أن تركز على المرشح "ميت رومني"، الذي يفترض أن يدعموه. كما أضر الحزب بنفسه من خلال ظهور غريب لم يكن مبرمجاً للممثل "كلينت إيستوود"، الذي أتى "أداؤه" قبيل إلقاء رومني لخطاب القبول، وكان يهدد بالتغطية على أهداف المؤتمر أو على الأقل صرف الانتباه عنها.
وبالمقابل، عرف الحزب "الديمقراطي" إصابة واحدة ألحقها بنفسه ويتعلق الأمر بالطريقة الخرقاء التي فرضت بها زعامة المؤتمر تغييراً في البرنامج، بعد أن تمت الموافقة عليه من قبل. فاللغة التي أضافها في مسعى للتملق لأنصار إسرائيل صيغت بطريقة لا معنى لها تقريباً. ولم يكن التغيير يتعلق باللغة في حد ذاتها بقدر ما كان يتعلق بالمقاربة الخرقاء التي استُعملت لإدخاله.
وقد شكل الاقتصاد محور التركيز الرئيسي لخطابات ومناقشات المؤتمرين، على أن محور التركيز الوحيد الذي مُنح للسياسة الخارجية كان هو الخطابان المتنافسان اللذان ألقاهما السيناتور "جون ماكين" (في المؤتمر الجمهوري) والسيناتور جون كيري (في المؤتمر الديمقراطي). ولكن الفرق بينهما كان مثل الفرق بين النهار والليل، حيث قدم "كيري" صورة لأوباما كزعيم يتحلى بالحزم والصرامة، والذي إذا كان قويا بما يكفي لقتل بن لادن ومواصلة محاربة "القاعدة"، فإنه يظل من أنصار سياسية الانخراط والدبلوماسية والخطوات الرامية إلى تحسين صورة أميركا عبر العالم. وبالمقابل، كان خطاب ماكين نارياً ومتشدداً. فباستعمال لغة مستشاريه المحسوبين على "المحافظين الجدد"، انتقد "ماكين" الرئيس بدعوى أنه تخلى عن حلفاء أميركا ولم يقم بما يكفي عسكريا لمواجهة سوريا وإيران.
المؤتمران انتهيا بزرع الحماس في مندوبي ونشطاء الحزبين الجاهزين للعمل. وبهذا المعنى، فإن كلا المؤتمرين كانا ناجحين. وهناك الآن أقل من شهرين على موعد الانتخابات، وهي فترة ستكون ساخنة ومحمومة بدون شك وستعرف تعصباً حزبياً أكثر من المعتاد.

صحيفة الاتحاد الإماراتية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى