ما بعد داعش وما بعدنا

لا احد في إمكانه الحديث عن تنظيم داعش بطريقة مؤكدة. هناك خبراء صاروا يظهرون على شاشات القنوات الفضائية باعتبارهم خبراء بداعش، غير أنني على يقين من أن ثقتهم بمعلوماتهم ستكون مصدرا لضحك كثير.
أين يقع ذلك الضحك؟
في الاماكن المغلقة التي يقيم فيها شباب معاصرون، لا لحى لهم ولا يرتدون الثياب الافغانية ويتلذذون باحتساء الخمر ويرافقون نساءهم بثيابهن غير المحتشمة إلى المراقص والمطاعم والحانات.
كل شيء هادئ على الضفة الأخرى.
أما على الضفة التي تقيم عليها داعش فان كل شيء صار ملكا للغيب.
لقد امتد الهرج من الرقة السورية إلى الموصل العراقية بطريقة لم يتوقعها أحد. هُزم الجيش العراقي وكانت طريقته في الهزيمة موقع تندر. بعده هُزمت البيشمركه وهي الميليشيا الكردية التي كان الخبراء قد أضفوا عليها الكثير من المبالغات.
يبدو الوحش كما لو أنه قادر على الحاق الهزيمة بالجميع. فهل نحن أمام جيش مغولي جديد سيكون جنكيزخانه سيد عصرنا المتهالك؟
ولكن هل داعش جماعة اسلاموية متشددة، مستقلة بفكرتها عن الجهاد حقا؟
لقد ولد تنظيم داعش في رحم القاعدة، وهو التنظيم الذي ولد في رحم مخابراتي دولي. غير أن داعش لم يكن نسخة من القاعدة بل هو يمثل جيلا متطورا. هناك أكثر من ثلاثة عقود تفصل بين الأم وأبنها. لقد ولد أثناء ذلك الزمن جيل مخابراتي جديد، تعلم أن لا يقع في أخطاء ممارسات الجيل الذي سبقه.
لا يشكل تنظيم داعش انتقالة في مفهوم الارهاب العالمي بقدر ما هو انتقالة مخابراتية في اتجاه أهداف جديدة، ستكون الشعوب التي تتعرض لاختباراتها حائرة في فهم ما يجري لها.
فهل يُعقل أن تترك الولايات المتحدة البلد الذي احتلته من أجل أن تخلصه من الطغيان لقمة سائغة بين أيدي الارهابيين؟ أقصد العراق.
سيكون علينا أن نضحك قليلا تمهيدا لبكاء طويل.
صار خبراء القنوات العربية والعالمية الفضائية يتحدثون بثقة عن خرافة داعش. ولكن داعش ليست سوى مجاميع متنقلة من المقاتلين الذين لا يجمع بينهم هدف مشترك سوى أن يكونوا أعضاء في تلك الجماعة التي تمدهم بالأموال السخية. فمن أين تأتي كل تلك الأموال؟
هل علينا بسذاجة أن نتساءل عن الجهات التي تنتج أفلام وصحف داعش؟
بالنسبة لكثير من اليائسين فان داعش صار مستقبل الشعوب العربية.
هناك اليوم حرب في لبنان ضد داعش. مصر هي الاخرى صارت تخاف من داعش التي قد تدخل إليها فجأة من ليبيا أو من سيناء. تونس لا تحتاج إلا إلى رفسة لكي تعلن عن داعشتيها. اما اليمن فان غرامها الداعشي قديم.
بقيت السعودية ودول الخليج العربي الأخرى.
هل علينا أن نصدق أن دولا عريقة صارت عاجزة عن التصدي لمجاميع من المسلحين يقبلون بسيارت يابانية ذات دفع رباعي؟ لن يخوننا الخيال إذا ما قيل إنها مجرد مشاهد من فيلم سينمائي، يراد لها أن تكون بديلا عن الواقع.
ما نراه لا يمت إلى الحقيقة بصلة.
ما يقوله الخبراء بالجماعات الارهابية ليس إلا مجموعة من الترهات.
لتنظيم داعش حقيقته المخابراتية التي لن تقاومها دول صارت ورقية.
لقد طلب العراق رسميا من مجلس الامن حمايته من الجماعات الارهابية فلماذا لم تتم الاستجابة لطلبه؟
لقد تركت الولايات المتحدة العراق بلا جيش. فلمَ لم تخف مسرعة إلى حمايته من داعش الارهابية جزءا من حرببها على الارهاب؟
كما أرى فان خرافة داعش هي جزء من خرافة الشرق الاوسط الجديد، بلادا تستعد للتقسيم كما لو أنه استجابة لارادة شعوبها. ليست خرافة داعش سوى تمهيد لولادة عالم عربي جديد يأكل نفسه بنفسه.
ميدل ايست أونلاين