تصوروا معي لو لم يكن هناك عداد التاريخ !
وهذا يعني أن اليوم ليس هو اليوم الأخير من عام 2018، حيث أكتب هذه الزاوية، فهذا اليوم سيكون عادياً، وباهتاً، وبارداً، وشبيها بكل الأيام، ولست مضطراً إلى كتابة هذه الصفحة فأتعبكم بقراءتها، أي سيكون اليوم شبيها بمثله بعد اسبوع أو قبل يومين أو بعد سنة!
تصوروا لو لم يكن هذا العداد موجوداً، وبالتالي لن يحتفل العالم بعيدي الميلاد ورأس السنة، ولن نشاهد هذه الهوجة الكبرى بحلول العام الجديد، وعندنا لن تتوهج أحياء السوريين بالشموع وبالزينة الساحرة في أحياء دمشق وحلب وحمص والحسكة وغيرها من المدن السورية، وسيرتاج بالنا من سهرة التلفزيون وتوقعات عالمات وباحثات الفلك اللواتي سيقطع رزقهن حتما!
يالها من مفاجأة !
كانت جارتنا العجوز أم أيهم، التي نتوقع في كل رأس سنة أن لايحول عليها الحول، كانت ستقول إن عمرها ثلاثين سنة، وأنها فقط تحسُّ بتعب المفاصل بعد أن تساقطت أسنانها وأنجبت ابنتها طفلها الثاني عطا!
يالها من مفارقة حيث ستلغى أعياد ميلادنا وميلاد من نحب، ونطوي صفحات مذكراتنا على عبارة مكررة لاتتوهج في مناسبة كهذه المناسبة التي يفرضها علينا عدّاد الزمن!
يا إلهي كم نفقد من مظاهر!
لا أعرف كم سيسجن الفاسدون والقتلة والنهابون الذين عملوا العمايل فينا خلال الحرب وبعدها، فسوف يضعهم القاضي في السجن ولايعرف كم سيبقون لأن العداد مفقود، وبالتالي : اتركوهم إلى ماشاء الله !
كم يبدو ذلك ممتعا، أن تقف أمام المرآة وتفاجأ بما يجري لملامحك، فتسأل لماذا غزا الشيب مفرقي، ولماذا ارتخت وجنتاي وتجعدت بشرتي . ستظن أنه وباء جلدي يصيب الناس لأنك لاتعرف أن عمرك قد أصبح ستين أو سبعين سنة، فتذهب إلى الطبيب تطلب عشبة الخلود .
تصوروا معي لو لم يكن هناك عداد للتاريخ !
كانت الانتخابات الديمقراطية في العالم مرهونة بكلمتين فقط: (بدنا . ماعاد بدنا)، وليس هناك من فترة يبقى فيها الملوك والرؤساء والسادة النواب والمخاتير ورؤساء البلديات وأعضاء المجالس المنتخبة. فهؤلاء جميعا سيكونون مرهونين لعبارة واحدة هي : نريدكم. وعندها سيستمرون في البقاء لأن النظيف والقوي والوفي والشجاع والوطني والحريص على شعبه وأمته وأرض الوطن لاحاجة لبقائه على العداد .
أما الذي لايحترمه الناس، ولا يفكر بهمومهم ، فيكفي أن يقول الناس : لانريدك، فتجتمع الجهات المعنية لايجاد البديل عنه ، وجعله يندم ، ويقول : لو بقيت لفعلت وتركت!
أليست هذه مفارقة جميلة ؟!
كل هذه الفرضيات، راودتني في هذه المناسبة، لسبب وجيه: أتعرفون ماهو؟
سأقول لكم ماهو :
تجاوز عمري الستين سنة، وفي جعبتي مشاريع كثيرة وكثيرة جداً تحتاج إلى عمر جديد، وكلما نويت أن أباشر بواحد منها أتلكأ، وأتراجع بسبب هذا العداد المخيف، وكان يمكن أن أقول ما قالته جارتنا العجوز أم أيهم :
إن عمري ثلاثين سنة، وسأنفذ كل تلك المشاريع بثقة كبيرة في النفس!