ما علاقة “كوكاكولا” ونُذر الحرب الأهليّة في لبنان وتوقيت إغلاقها ومُلكيّتها للعوجان السعوديّة للمرطّبات؟

 

تذهب بعض الصحف اللبنانيّة، إلى قرع طُبول الحرب الأهليّة، وتذهب أخرى إلى التحذير من خطوات وقوعها، على وقع ما يحصل من أزمةٍ اقتصاديّة، وتراجع القُدرة الشرائيّة بين غالبيّة قطاع اللبنانيين، وسط تحذيرات محليّة من انضمام الطبقة الوسطى إلى الفقيرة، وتحريض إعلامي على بعض القوى الفاعلة في البلاد، وعلى رأسها “حزب الله”، باعتباره شريكٌ بما تؤول إليه الأمور، فهو لا يتنازل عن نُفوذه وسلاحه، وخطوطه الحمراء هذا من وجهة القوى المُوالية للولايات المتحدة الأمريكيّة، مُقابل شطب الدين العام لبلادهم ضمن أطر سياسيّة تنازليّة، لا حُلول ومُراجعات وإصلاحات اقتصاديّة، لها علاقة بنهب المال العام، ومُحاربة الفساد، والتي كانت قد أخرجت اللبنانيين إلى الشوارع، وأسقطت حكومة الرئيس سعد الحريري، وجلبت حسان دياب الذي يُحاول قيادة سفينة بلاده إلى برّ الأمان الاقتصادي.

مُؤشّرٌ خطير لافت، دفع باللبنانيين، إلى عدم الاستبشار بحالة وضع البلاد، فليس عابرًا بالنّسبة لهم، أن تُعلن شركة “كوكاكولا” إنهاء عملها في بلادهم، كما وتسريح جميع عمّالها، بشكلٍ نهائي، وهو ما نتج عنه تقديرات بتسريح 300 عامل فيها.

كوكاكولا والحرب الأهليّة.. ما العلاقة؟

الأذهان تعود مُباشرةً هُنا، إلى أجواء الحرب الأهليّة، فالشركة كانت من الشركات الأوائل التي قد أغلقت أبوابها للمرّة الأولى خلال الحرب الأهليّة أيضاً العام 1975، وأعلنت إيقاف عملياتها التشغيليّة، وها هي تعود للمرّة الثانية للتوقّف، فالأزمة الماليّة الحاليّة شلّت الحركة التجاريّة في بلاد الأرز، وتُواجه الشركة كما قالت في بيانها، صُعوبات في استيراد المواد الأوّليّة للتصنيع، وإجراء التحويلات المصرفيّة إلى الخارج.

وتسريح العمّال وفق بيان الشركة، يعد مُقدّمة لإقفال الشركة بشكلٍ نهائيٍّ، 31 مايو نهاية الشهر الجاري، ويكون لافتاً إشارة الشركة في بيانها أنها لا ترى نهاية للأزمة في المدى القريب، أو البعيد، وهو ما قد يشي بتنبّؤ مُسبق بدخول البلاد نفقاً مُظلماً، على الصعيد السياسي بعد الاقتصادي، وما يُحضّر له ليدفع شركات كبرى للإقفال تباعاً، والحديث عن خسائر ماديّة مُتراكمة، لم تعد مثل “كوكاكولا” قادرةً التغلّب عليها، وهو ما قد يفتح الباب أمام شركات أخرى للإقفال، وتسريح مُوظّفيها، مما يزيد من أعداد العاطلين في البلاد، وها هي بالفِعل بعض البقالات الكبيرة “سوبر ماركت”، بدأت تتّجه نحو الإغلاقات الجزئيّة نتيجة الوضع الاقتصادي المتردّي.

أزمة.. مخاوف.. وتهويل!

ولم يشهد لبنان، أزمةً اقتصاديّةً سيّئة مثل تلك التي تضرب البلاد حاليّاً، مُنذ الحرب الأهليّة 1975- 1990، وسط انهيار الليرة، وتسجيلها خسارةً بأكثر من نصف قيمتها، هذا عدا عن تسجيل ارتفاع كبير في الأسعار.

هذه المخاوف اللبنانيّة على وقع إعلان الشركات إغلاق أبوابها، قد تدخل أيضاً في إطار التهويل المُتعمّد وتحريض الشارع على التظاهر العنيف كما هو حاصل، ووفق مُعطيات تراجع ثقة اللبنانيين بحُكومتهم، وعملتهم، والخشية من انهيار النظام الاقتصادي، كما أنّ حكومة حسان دياب أساساً تتعرّض لانتقادات من بعض القوى السياسيّة، وتنتقد خطّتها الإصلاحيّة، والتي تعوّل عليها الحكومة في إنقاذ الاقتصاد المحلّي، ودفع الشركات الكبيرة إلى تسريح عمّالها، إمعاناً في تعميق الأزمة، وخلق طوابير طويلة من العاطلين الغاضبين.

وتتزايد المخاوف من اندلاع حربٍ أهليّةٍ، مع الاشتباكات التي تقع بين الشبّان في مُدن مثل طرابلس، وصيدا، وبين الجيش اللبناني، ويستخدم المُهاجمون للجيش قنابل المولوتوف، ويرد الجيش بالرصاص المطّاطي، وهذه المُواجهات المُتواصلة تعود لأسبابٍ اقتصاديّة، بسبب خسارة الكثير من اللبنانيين مصدر رزقهم، على وقع الأزمة الماليّة، وتهجّمهم على مقار البنوك، وقطع للطّرقات.

من هي شركة “العوجان” للمرطّبات؟

وتعود ملكيّة شركة كوكاكولا لشركة العوجان السعوديّة، التي تملك ثلاث مصانع لها في كُل من الدمام السعوديّة، دبي الإمارات، والعاصمة اللبنانيّة بيروت، ومصنع في القاهرة أعلنت الشركة عزمها بناؤه العام 2014.

وتفصيلاً، “العوجان” كوكاكولا للمرطّبات، هي شركة بالتّشارك بين شركة كوكاكولا، وشركة العوجان للمرطبات السعوديّة، وكانت قد استحوذت العوجان على شركة المرطّبات الوطنيّة موزّع منتجات كوكاكولا في لبنان العام 2014 بقيمة 35 مليون دولار، وهو ما يفتح باب التساؤلات حول توقيت اختيار الشركة إغلاق أبوابها، وتسريح مُوظّفيها، الذي يُعمّق من مشكلة العاطلين عن العمل، والغاضبين حُكماً والنزول إلى الشوارع، والحملة التي تقول بعض وسائل إعلام لبنانيّة، إنّ الإعلام السعودي يقودها تحريضاً، من خلف الأمريكيين، ولعبة تقديم التنازلات، وشيطنة “حزب الله” وتقديمه كعامل أساسي ومسؤول عن أزمة الاقتصاد، وتشويه سمعته كمانع الرخاء عن اللبنانيين.

وهذا التخلّي الشعبي المُفترض عن الحزب مُقابل عدم أخذ البلاد لدوّامة حرب أهليّة، وهو الذي يخوض (لبنان) أساساً معركته ضد فيروس كورونا، والأزمة الاقتصاديّة نهاية العام الماضي، هذا عدا عن موقف الحُكومة السعوديّة الرسمي وترحيبها بوقف نشاطات الحزب في ألمانيا، ضمن حملة ضغوط مارستها واشنطن على الأخيرة، كُل هذه الافتراضات وبحسب وجهات نظر أخرى، لا تضع في حُسبانها القوّة الفعليّة التي يتمتّع بها الحزب، وأنّ رغبته دخول الحرب الأهليّة من عدمها هو من يُقرّرها، حيث أكّد أمينه العام في إطلالات سابقة أنّ لكُل حرب أطراف، ولا أحد يفرض على حزبه أن يكون طرفاً في حربٍ لا يُريدها.

تقويض نفوذ حزب الله

لبنان الذي يبحث في خيارات شطب الدين العام، وأعلن مُسبقاً عدم قدرته على دفع ديونه المُستحقّة في مواعيدها، وهو ما يضعه في مسار تخلّف عن سداد ديون سياديّة، على وقع الأزمة الماليّة، طلبت أخيرًا حُكومته برئاسة حسان دياب، والذي أعلنَ الخطّة الاقتصاديّة، أبرز ما فيها المُساعدة من صندوق النّقد الدولي والتّفاوض لضخ 10 مليارات دولار، وتعليقاً على طلب المُساعدة، دخل مساعد وزير الخارجيّة الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر على خط الأزمة، واصفاً طلب المُساعدة بالخطوة الأولى الجيّدة، لكنّه قال إنّ الأمر لا يقتصر على طلب المُساعدة، وأنّ بلاده تراجع الخطوة وتنتظر إجراء إصلاحات كُبرى، وشروط إصلاحيّة قاسية، “تستوجب التزام مُختلف الأطياف السياسيّة اللبنانيّة”.

تعليق مساعد وزير الخارجيّة الأمريكي، غُلّف بالإطار السياسي، أكثر من كون رغبته بحث في الأزمة الاقتصاديّة، ولعلّ واشنطن تملك العصا السحريّة لتخليص لبنان من أزمته الماليّة والاقتصاديّة، فالوزير الأمريكي ديفيد شنكر تحدّث عن “حزب الله” صراحةً في معرض تعليقه على طلب لبنان المُساعدة من صندوق النقد، وتساءل حوله بأنه لا يُعرف عنه الإصلاحات، فإجراء الإصلاحات في المرافق التي تجمع الإيرادات لن يحظى بتقدير الجميع، الأهم عند واشنطن كما يقرأ مراقبون هو فقط “تقويض نفوذ حزب الله”، فماذا يعني أن يُطالب شنكر بالسيطرة على الحُدود، وإغلاق المعابر غير الشرعيّة، ومُكافحة التهرّب الجمركي، ويعتبرها جزءًا من الإصلاحات التي يطلبها المجتمع الدولي، والقادرة كما قال على تقويض نفوذ حزب الله.

شنكر توقّع أيضاً أن يخوض لبنان مسارًا طويلاً قبل التحرّر من الفوضى الاقتصاديّة القائمة مُنذ عقود، والتي أدّت للأزمة الحاليّة، هو ما يعني حُكماً أن واشنطن تُدرك أنّ حزب الله لن يُقدّم تنازلات، وبالتالي سيكون على لبنان اختيار الطّريق الطّويل، والذي قد تضع فيه واشنطن وحُلفاءها المزيد من العراقيل الاقتصاديّة، والمطبّات السياسيّة، والتنازلات وحدها من تخلق المُعجزات.

جهات تحرّض على الجيش اللبناني.. والجامعة العربيّة قلقة

وتنتظر الأوساط والقوى السياسيّة، إطلالة مُرتقبة اليوم السبت لأمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله بعد آخر ظهور سجّله من ستّة أسابيع، وتحدّثت تقارير صحفيّة محليّة، أنّ نصر الله سيدعم خطّة الحكومة الإصلاحيّة التي أعلن عنها حسان دياب والتي وصفها الأخير بالتاريخيّة، رغم الانتقادات التي تتعرّض لها، وسيتطرّق أيضاً إلى موقفه من احتجاجات الشارع العنيفة.

ولعلّ السيّد نصر الله كما يتوقّع كثيرون سيكون حريصاً بالأكثر على عدم توجيه اتّهامات للشارع المُتظاهر كونه حظي بدَعمٍ من رئيس الحُكومة الذي تفهّم أسباب خُروجه، وسيُلقِي بالمسؤوليّة على “الجهات” التي كان قد حذّر منها رئيس الوزراء دياب الذي يدعمه، والتي قال (دياب) إنها تحرّض على الشغب، وهدّد بكشفها (الجهات)، وما شهدته البلاد من أعمال عنف، وتخريب، وإغلاق طرقات، واشتباكات مع الجيش، وقوى الأمن، سقط فيها قتيل وجريح على إثر تحريضها، وهو ما يُفسِّر تسارع التحذيرات من حربٍ أهليّة، يجري الدفع إليها، تحت عُنوان الأزمة الاقتصاديّة، كما وتحذير الجامعة العربيّة من انزلاق البلاد إلى المجهول، وإعرابها عن قلقها، السيّد نصر الله ولكن، سيكون حازماً لعلّه في وجه المواقف العدائيّة التي تصدر صراحةً عن القوى السياسيّة المُعارضة لخطّة الحكومة الإصلاحيّة، وعلى رأسهم سعد الحريري، وسمير جعجع، اللذان شنّا هجوماً على الخطّة الاقتصاديّة، الحريري الذي كان قد وصف الخطّة بالانتحار الاقتصادي، ودعَم إسقاط الحكومة في حال فشلها، على عكس “حزب الله”، والتيّار الوطني الحر، ورئاسة الجمهوريّة، الذين يرغبون السير في المسار الطويل للإصلاح الاقتصادي.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى