كتب

ما فعلته «الحرب على الإرهاب» بشرقي إفريقيا

الحرب على الإرهاب:

في أحد آخر خطابات الرئيس الأميركي جو بايدن التي تحدث فيها عن انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان وإنهاء احتلالها لذلك البلد، قال إن سوريا وشرقي إفريقيا ذات أهمية أكبر لسياسات بلاده في المنطقة. وإذا كنا نعرف أهمية سوريا في المنظور الاستراتيجي الأميركي، وقرأنا كتاب «حرب واشنطن الخفية في شرقي إفريقيا: المراقبة والتسليم السري والاغتيال» (هيرست أند كومباني ـ 2019) الذي يفضح سياسات واشنطن وممارساتها الاستعمارية ضمن ما يسمى الحرب على الإرهاب في شرقي إفريقيا، سنعرف ما ستفعله في سوريا لو قدّر لها ممارسة النفوذ فيها بالقدر نفسه الذي تتمتع فيه هناك في الدول الإفريقية ذات الصلة. وهذا الكتاب، الذي هو أقرب إلى سرد روايات مرعبة وممارسات سادية تدعو للتقيؤ والغثيان، يوضح موقع شرقي إفريقيا في استراتيجية واشنطن للتحكم في مواقع مفصلية من عالمنا.

نبدأ عرضنا هذا بشرح معنى المصطلح rendition كما أوردته الكاتبة كلارا أزسكِن المحققة في مجال حقوق الإنسان والمشاركة في توثيق الانتهاكات المتعلقة بالأمن القومي في أنحاء العالم، مع التركيز على الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، إذ قالت في مؤلفها: «حدث أول استخدام قانوني معروف لكلمة «التسليم السري» Rendition في تقارير القانون الأميركي منذ القرن التاسع عشر، ويتعامل مع عمليات النقل غير القانونية للعبيد الذين هربوا من أسيادهم الجنوبيين إلى الولايات الشمالية الحرة. عندما رفضت الولايات الشمالية إلزامها بإعادة العبيد الهاربين إلى الجنوب، تطورت صناعة حول مطاردتهم. للحصول على مكافأة، فإن صائدي العبيد المحترفين، بناءً على طلب مالك العبيد الجنوبيين، سيغامرون شمالاً ويختطفون العبيد من حريتهم الجديدة. كان «التسليم/ rendering» هو المصطلح المستخدم لنقل العبيد المأسورين عبر حدود الدولة، والعودة إلى العبودية في الجنوب. ثم أصبح المصطلح مرتبطاً أولاً بمكافحة الإرهاب والنقل غير القانوني للمشتبه بهم بالإرهاب خلال التسعينيات، في إطار برنامج أذن به الرئيس الأميركي آنذاك كلينتون، ويتضمن اعتقال ونقل إسلاميين مصريين منفيين من مواقع حول العالم إلى مصر لتعذيبهم، لينتهي أمرهم إلى الاختفاء والقتل غدراً في كثير من الأحيان. من الموثّق جيداً أن الولايات المتحدة كان لها دور كبير في تدريب المصريين المنفيين والإسلاميين العرب الآخرين وتمويلهم ليكونوا وكلاءها ضد السوفييت في أفغانستان، لمدة تصل إلى ستة أشهر قبل الغزو السوفيتي. بعد انسحاب القوات السوفيتية، حوّل العديد من هؤلاء المقاتلين تركيزهم إلى إسقاط أنظمتهم الوطنية، ولا سيما مصر. وقد ساعدت واشنطن في تدريب أولئك المنشقين وتجهيزهم. الآن، في محاولة مشؤومة لإعادة جِنِّي المجاهدين إلى قمقمه، تدعم مصر بنشاط في القضاء على المعارضة في المنفى، من خلال القبض على أعضاء جماعات المعارضة وتسليمهم إلى الحكومة المصرية، حيث واجهوا احتمال تعرضهم للتعذيب والموت في كثير من الأحيان».

يقدم هذا المؤلف تحليلاً لتأثير «الحرب على الإرهاب» في شرقي إفريقيا، ويرسم صورة خطيرة لتأثيراتها، وهو ثري بالمعلومات ويظهر كيف أنّ عمليات وسياسات مكافحة الإرهاب قد خلقت أجهزة أمنية وطنية وإقليمية أصبحت أدوات للأنظمة الاستبدادية وتستخدم لإسكات المعارضة المدنية.

أجهزة أمنية وطنية وإقليمية أصبحت أدوات للأنظمة الاستبدادية

يناقش أحد فصول المؤلف الخمسة عشر والثري بمصورات الوثائق الرسمية ذات الصلة، شبكة السجون غير القضائية والعسكرية التي تم استخدامها لاحتجاز واستجواب ما يسمى معتقلون ذوو قيمة عالية. وتتناول الكاتبة في فصل آخر عنصراً مثيراً للجدل للغاية في التاريخ «الحديث» للترحيل السري، وبشكل أكثر تحديداً مشاركة المملكة المتحدة في ممارسات الترحيل السري الأميركية. توفر الكاتبة تاريخاً موجزاً ​​لجزيرة دييغو غارسيا وأهميتها الاستراتيجية لقدرات التشغيل الأمامية للمملكة المتحدة والولايات المتحدة في المنطقة. كما توجه الكاتبة انتباهها على نحو أكثر تحديداً إلى الإجراءات الأميركية والتعاون معها في سلطات الدولة في شرقي إفريقيا، مع التركيز على كينيا حيث شاركت في وضع سياسات وإجراءات مكافحة الإرهاب فيها. ويبدو أن الدولتين تعاونتا بشكل وثيق في مسألة الاعتقال والتسليم السري، وكذلك مع السلطات الصومالية في ذلك الوقت.

خصّصت الكاتبة قسماً من مؤلفها لاستخدام المسيرات في عمليات القتل المستهدف، وتحديداً في شرقي إفريقيا، منوهة إلى استخدام واشنطن مطار جيبوتي وتطوّر برنامج المسيرات في فترة رئاستي جورج دبليو بوش وباراك أوباما. كما تستكشف الرابط بين «النهج الاستثنائي للولايات المتحدة تجاه القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني»، وثقافة الإفلات من العقاب وأيضاً العلاقة بين عمليات مكافحة القرصنة وإجراءات مكافحة الإرهاب، لا سيما في ما يتعلق بالصومال، في حين أن هاتين المسألتين قد تبدوان غير ذات صلة، فقد كانت هناك حالات تم فيها القبض على إرهابيين مشتبه بهم ونقلهم بواسطة سفن مناورات مكافحة القرصنة أو احتجازهم في سجون مكافحة القرصنة. تجمع الكاتبة روايات شهود العيان والشهادات الشخصية ومقتطفات من الوثائق الرسمية لبناء صورة تقشعّر لها الأبدان لجهاز شرير من عدم الشرعية والإرهاب الذي طوره الجيش الأميركي وقادته السياسيون في المنطقة لفرض الأهداف طويلة المدى للحرب. طبيعي أن مواضيع المؤلف أكثر مما يسمح به هذا العرض المقتضب، وهو مثير للقلق لكنه، بحسب أحد المعلقين، ضروري للغاية لأنه يسلط الضوء على عمليات الترحيل والاعتقالات السرية والقتل خارج نطاق القانون، والامتداد المذهل للقوة الأميركية والبريطانية في الأنظمة السياسية الإفريقية، فضلاً عن حرص حكومات شرقي إفريقيا على استخدام «الحرب على الإرهاب» لتبرير مراقبتها المواطنين العاديين، وتعذيب المعارضين السياسيين، والاعتداء على القضاء الوطني، والعنف ضد الأقليات. ننهي عرضنا باقتباس قول للكاتبة «ما تعلمته في سياق العمل الذي تم سرده في هذا الكتاب هو أنه في منطقة «الأمن القومي»، التي تهيمن عليها انقسامات الحرب على الإرهاب، لا توجد فئة ثالثة بخلاف الصديق أو العدو، ولا توجد مساحة محمية للعدالة وحقوق الإنسان».

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى