ما مصير “داعش” بعد مقتل البغدادي؟

 

شكل الصعود الدراماتيكي لتنظيم داعش ابتداءً من عام 2014 في العراق وسوريا، واحدةً من أبرز النقاط المحورية في المنطقة في السنوات العشر الفائتة، نظراً للمساحة الكبيرة التي سيطر عليها التنظيم في هذين البلدين، ووصول حدود “دولته” إلى تركيا شمالاً والأردن جنوباً، إضافة إلى العمليات الإرهابية التي نفذها عناصر التنظيم في أكثر من دولة غربية أو آسيوية.

لكن العمليات العسكرية التي أطلقها الجيشان العراقي والسوري وقوى المقاومة في المنطقة، ساهمت في تراجع التنظيم وهزيمته شيئاً فشيئاً وحشر قواته في جيوب صغيرة معزولة على الحدود السورية العراقية.

وعلى الرغم من اعتقال المئات من عناصر التنظيم وقادته خلال هذه العمليات، إلا أن الشغل الشاغل لكل القوى في منطقة العمليات كان الوصول إلى رأس التنظيم، أبو بكر البغدادي، واصطياده.

أعلنت العديد من الدول المشاركة في العمليات ضد داعش القضاء عليه بشكل نهائي، إلا أن التركيز بقي على قتل البغدادي أو اعتقاله، لأن وجوده يعني أن التنظيم قادرٌ على الضرب من جديد.

اليوم وبعد الإعلان بشكل نهائي عن مقتل البغدادي من قبل قوات خاصة أميركية في إدلب، يحضر السؤال حول مصير التنظيم في المرحلة المقبلة، وللإجابة عليه لا بد من استعراضٍ سريعٍ لمصير التنظيمات الإرهابية التي تتبع الفكر السلفي الجهادي بعد مقتل قادتها:

الغالب في التنظيمات الجهادية أنها تدخل في مرحلة ضعف واضمحلال عقب موت قادتها البارزين، وهذا ينطبق على كل التنظيمات، فبعد مقتل أسامة بن لادن عام 2011 استلم نائبه أيمن الظواهري قيادة تنظيم القاعدة، إلا أن وهج التنظيم خفت، وفقد السيطرة على فروعه وعناصره في العالم، الذين انضووا تحت لواء داعش بعد عام 2014.

الحال ذاته ينطبق على تنظيم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” والذي أصبح لاحقاً “مجلس شورى المجاهدين” وكان يقوده أبو مصعب الزرقاوي، وبمقتله عام 2006 بغارة أميركية دخل التنظيم في مرحلة تراجع، رغم اختيار خليفة له هو “أبو عمر البغدادي”، والذي أسس تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق”.

ورغم أن التنظيم الجديد أتى من اندماج عدة حركاتٍ جهاديةٍ، إلا أن محاربة الصحوات العراقية له وضعف السيطرة في التنظيم جعلاه في السنوات اللاحقة في مرحلة سبات، حتى وصول “الربيع العربي” وإيجاده المناخ المناسب لاستقطاب الكثير من المتطرفين، وضخ دماء جديدة إلى صفوف التنظيم، وخصوصاً المنظرين والخبراء العسكريين الذين خرجوا من السجون الأميركية في العراق، وبينهم أبو بكر البغدادي، لتشكل نقطة إنطلاق جديدة سيطر على إثرها تنظيم البغدادي على مدن رئيسية ومساحات واسعة في سوريا والعراق.

بدأت شوكة داعش تنكسر إنطلاقاً من عام 2017، ومُني بالهزائم الواحدة تلو الأخرى، وخسر كل المساحات التي سيطر عليها منذ عام 2014، كل ذلك حدث قبل أن يسقط زعيمه البغدادي، إلا أنه لا يزال يحافظ على وجود ضئيل من خلال خلايا نائمة، فكيف سيكون حال ما بقي من التنظيم بعد مقتل زعيمه؟.

ترجّح المصادر المقربة من الحركات الجهادية أن يخلف البغدادي أحد شخصين هما، أبو عبد الرحمن الجزراوي وأبو عثمان الفرنسي، والجزراوي سعودي الجنسية وكان يشغل منصب أمير الزكاة في داعش قبل أن يصبح نائباً للبغدادي، بينما لا يوجد الكثير من المعلومات عن الفرنسي.

ورجحت مصادر متعددة أن نائب البغدادي المدعو عبد الله قرداش (أبو سعيد العراقي) قد قتل في وقت سابق، وأنه كان المرشح الأبرز لخلافة البغدادي.

الجهة المسؤولة في داعش عن اختيار زعيم جديد هي “مجلس الشورى”، والتي لا يُعرف غالبية أعضائها، وبعد تشتت عناصر التنظيم وقادته بات من الصعب على مجلس الشورى الاجتماع للبت في خليفة للبغدادي، ما قد يؤجل لفترة من الزمن إعلان التنظيم عن قائده الجديد، وإن كان المرجح اختيار الجزراوي.

إلا أن الثابت في كل ذلك أن خسارة التنظيم في موت البغدادي لن تكون أقل من خسائره العسكرية، فالمعلومات أشارت في وقت سابق إلى أن البغدادي طلب من مقاتليه التوجه إلى إدلب بعد معركة الباغوز في بداية عام 2019، وأنه أرسل قبل ذلك بشهور قادةً ومقاتلين إلى إدلب، ومنهم ابنه حذيفة الذي تحدثت المعلومات عن مقتله قبل عامين في ريف حماه الشمالي الغربي.

كان البغدادي إذاً يخطط لإعادة إحياء تنظيمه إنطلاقاً من إدلب التي تشهد فلتاناً أمنياً وتوزعاً للسيطرة بين عدد كبير من الفصائل، والتي يتغلغل في وسطها تنظيمات جهادية متطرفة تتبع تنظيم القاعدة وتتعاطف مع داعش، وإن كانت لا تتبع تنظيمياً لجبهة النصرة، وكان لحضوره الشخصي الأثر الأكبر في هذا المشروع، على الرغم من الحرب التي يقودها منافسه أبو محمد الجولاني زعيم النصرة، على فلول التنظيم، وقيام عناصره في السنتين الفائتتين بقتل واعتقال العديد من عناصر داعش والخلايا المتعاونة معهم.

بمقتل البغدادي يكون مشروعه الجديد قد وئِد في مهده، وتكون مهمته بضرب أسس بعض الدول العربية وشعوبها قد انتهت، ولن يكون هناك من هو قادر على إحياء التنظيم في سوريا والعراق في زمن قريب، وإن كان من عودةٍ محتملةٍ للتنظيم فقد تكون بأشكال أخرى وضمن مخططات جديدة، أو ربما يجد له وظيفة أخرى بشكله الذي تعرفنا عليه في بلاد تعاني هشاشة أمنية، وفيها فروع للتنظيم أو خلايا نائمة، كاليمن أو ليبيا..

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى