ما هي الأسباب الحقيقيّة وراء التّعجيل في المُصالحة القطريّة الإماراتيّة؟
يبدو أنّ قطار المُصالحة بين دولتيّ الإمارات العربيّة المتحدة وقطر بات يسير بعَجلةٍ مُتسارعةٍ بعد الزّيارة المُفاجئة التي قام بها الشيخ طحنون بن زايد، مُستشار الأمن القومي والرّجل الإماراتي القوي، للدّوحة يوم أمس الأوّل الخميس، وكانَ لافتًا أنّ الشيخ محمد بن راشد حاكِم إمارة دبي، ونائب رئيس دولة الإمارات ورئيس وزرائها، حرص على لقاء الشيخ تميم بن حمد أمير دولة قطر على هامِش قمّة بغداد اليوم السبت، ونشر تغريدةً على حسابه على التويتر مَرفوقةً بصُوَرِ هذا اللّقاء، مُؤكِّدًا فيها “بأنّ الأمير تميم شقيقٌ وصديق، والشّعب القطري قرابة وصِهر والمصير الخليجي واحد، كان وسيبقى”.
من الواضِح أنّ هُناك حِرصًا، ومن الجانب الإماراتي تحديدًا على إغلاق مِلَف الخِلافات مع دولة قطر من خلال أخذ زمام المُبادرة بذهاب الشيخ طحنون بنفسه إلى الدوحة، و”تطييب” خاطِر القِيادة القطريّة على الطّريقة القبليّة الخليجيّة، والاعتِذار “غير المُباشر” عن بعض “التّجاوزات” على الأُسرة الحاكمة في قطر بلغت درجة الخوض في الأعراض من قِبَل بعض الأقلام المحسوبة على الإمارات.
كان لافتًا أيضًا أنّ اتّفاق المُصالحة الذي جرى التَّوصُّل إليه في قمّة “العلا” مطلع هذا العام ونصّ على إنهاء الخِلاف بين الدّول الأربع المُقاطِعة لدولة قطر، لم يُطَبَّق إلا على دولتين، هُما السعوديّة ومِصر، وظلّت العُلاقات مُتَوتِّرةً بين قطر من ناحية، والإمارات والبحرين من ناحيةٍ أُخرى، واستمرّت الحمَلات الإعلاميّة والمُناوشات القانونيّة المُتبادَلة دُونَ أيّ تغيير، إن لم تَكُن قد زادت وتيرتها، سواءً على وسائل التّواصل الاجتماعي أو في المحاكم الأوروبيّة في الأشهر الأخيرة.
هذا التّطوّر الكبير نحو ترميم العُلاقات بين الدّول الخليجيّة والجُنوح للمُصالحة والحِوار تَعكِس تغييرات شِبه جذريّة في سِياسات حُكوماتها بعد حواليّ خمس سنوات من الخِلافات “المُكلفة” ماديًّا ومعنويًّا التي استغلّتها أطرافٌ عديدة من بينها أمريكا ودولة الاحتِلال الإسرائيلي للابتِزاز وصبّ المزيد من الزّيت على نار الخِلافات، بهدف تأجيجها وجني أكبر قدر من الأموال وعُقود التَّسلُّح وبِما يُؤدِّي إلى توسيع الهُوّة بين الشّعوب الخليجيّة الشّقيقة، مُضافًا إلى ذلك أنّ هذه الحُكومات “تَعِبَت” من نهج “المُناكفة”، وأدركت أنّه غير مُجْدٍ، ويُعطِي نتائج عكسيّة في الوقتِ نفسه.
كثيرٌ من المُراقبين ربطوا بين هذه المُصالحة القطريّة الإماراتيّة، وبين الزّيارة المُفاجئة التي قام بها الشيخ طحنون إلى أنقرة ولقائه بالرئيس التركي رجب طيّب أردوغان قبل أسبوع، وإعلان الأخير عن التّوصّل خِلال اللّقاء إلى اتّفاقات اقتصاديّة تشمل ضخّ الإمارات حُزمَةً من الاستِثمارات الضّخمة قيمتها عشَرات المِليارات في الاقتِصاد التّركي الذي يُواجِه أزَمات حادّة هذه الأيّام بسبب انتِشار الكورونا، وتَراجُع الدّخل السّياحي “حواليّ 50 مِليار سنويًّا”، الذي يُشَكِّل عموده الفقري، علاوةً على انكِماش الاستِثمارات الأوروبيّة والأمريكيّة وتَفاقُم أعباء اللّاجئين السّوريين والأفغان، حتّى أنّ بعض المُراقبين تحدّث عن قِيام الرئيس التركي أردوغان بدور الوسيط لتَرطيب الأجواء بين الدوحة التي تَربِط بلاده عُلاقات استراتيجيّة بها، وأبو ظبي “الحليف” الجديد.
صحيح أنّ بعض المسؤولين في البلدين، وخاصّةً في دولة الإمارات، مِثل الدكتور أنور قرقاش، مُستشار الرئيس، تحدّث في تغريداتٍ عن “بناء جُسور التّعاون والازدهار مع الأشقّاء والأصدقاء كعُنوانٍ للمُصالحة، وركيزة رئيسيّة من ركائز السّياسة الإماراتيّة تطوي صفحة الخِلاف وتَنظُر إلى المُستقبل بإيجابيّة، وتنطلق من واقع أنّ المصير واحد والنّجاح مُشترك” مُوحِيًا بأنّ التّعاون الاقتِصادي هو العمود الفقري لهذه المُصالحة، ولكنّ الأهداف الحقيقيّة للتّقارب أوسَع من ذلك وتشمل الجوانب السياسيّة والقبليّة والشّخصيّة أيضًا، و”تبريد” الأجواء من خِلال وقف القصف الإعلامي المُتبادَل الذي أساء للطّرفين، وهَزَّ صُورتهما عربيًّا ودوليًّا، ولأسبابٍ ليست جوهريّة للأسف.
بَقِي الخِلاف القطري البحريني يُشَكِّل الحلقة الأخيرة “المُتبقّية” في مُسلسل الخِلاف الخليجي “المُرهِق” بُدون حل، حيث باتت السّلطات البحرينيّة تَشعُر بأنّ أشقاءها الكِبار تخلّوا عنها، ورَكِبُوا قِطار المُصالحة مع قطر بُدونها، وخاصَّةً السعوديّة الشّقيقة الكُبرى، ولعلّ غِياب العاهل البحريني عن قمّة “العُلا” مطلع هذا العام، وعدم زيارته للرياض مُنذ ذلك الحين أحد أوجه “العتَب” في هذا المِضمار، وأكّدت لنا مصادر خليجيّة أنّ التّقارب البحريني القطري ربّما سيكون حلّه أقل صُعوبةً بعد الصُّلح الإماراتي القطري الحالي.
أيّ تقارب بين الأشقّاء يستحقّ التّنويه، والمأمول أن يتبعه إجراء مُراجعة لكُل سلبيّات المرحلة السّابقة وانعِكاساتها “المُؤلمة” ليس على مجلس التّعاون الخليجي ودوله فقط، وإنّما على المنطقة والعمل العربي المُشتَرك أيضًا، وبِما تُؤدِّي هذه المُصالحات إلى تعزيز هذا العمل وتطويره، بصُورةٍ أفضل ممّا كان عليه الحال قبل الخِلاف، وقبل خُضوع بعض الدّول الخليجيّة لضُغوط أمريكا وابتِزازها، والأكاذيب الإسرائيليّة المُضَلِّلَة، والانخِراط في اتّفاقات “سلام” تطبيعيّة، وتحويل الأشقّاء إلى أعداء وبِما يُلحِق الكثير من الأضرار، والمخاطر بها وشُعوبها واستِقرارها في المُستقبل المنظور، خاصَّةً بعد الهزيمة الكُبرى التي لَحِقَت بالولايات المتحدة وحِلف النّاتو في أفغانستان، وتخلّي الرئيس جو بايدن وإدارته عن “حُلفائه” الأفغان بطَريقةٍ مُهينةٍ ومُذِلَّةٍ.