ما يفعله الشتاء بالحكومات والشعوب

 

الواجب اليومي، والسلوك الاعتيادي، يصبحان قيمة مضافة في برد الشتاء، فهذا رجل يدلل على محبته لصديقه بقوله ” لو لم تكن في نظري مهمّا ـ بل شخصية عالمية مرموقة ـ بالنسبة لي، لما أخرجت يدي من جيب معطفي لأصافحك في هذا الزمهرير”، وتلك امرأة تعبر عن دفء مشاعرها وإخلاصها لزوجها بوجبة حارة حادة تسيل لها الأنوف المحمرة والعواطف الجياشة أمام المدفئة أو حتى فوق السرير.. لا يهم، فالشتاء لا يدقق في الكياسة واللباقة، ولا ينظر في تناسق ألوان الأطباق والملابس.

الشتاء فصل المتكاتفين والثوريين والحالمين والخائفين والمتشابهين والمختلفين على حد سواء.. إنه شديد بياض النهار، شديد سواد الليل، يجمع التناقضات ويساوي بينها، ففيه ولدت وانطلقت ودفنت كل الأفكار عبر التاريخ مثل زهرة الجليد الأسطورية.. ألم تر أن البشرية تسكن بين قطبين؟

وراء كل مشهد رومانسي يجمع عاشقين على أغنية ومدفئة وقدحي نبيذ، هناك أجساد ترتجف جوعا وبردا تحت العراء، وثلوج تغطي دماء الأبرياء.

أليست برودة الثلج التي كان يخبئ فيها الدكتاتور السوفييتي جوزيف ستالين زجاجة الفودكا، هي نفسها التي تلف المعتقلين من معارضيه في أراضي سيبيريا في الحكاية الساخرة التي تقول إنّ أحد الضبّاط كان دائما يشتم ستالين أمام ببغائه, وصادف أن دقّ الأخير باب بيته فجأة, فأخفى الضابط الببغاء في ” بيت الثلج”.

فتح ستالين البرّاد ومن  ثمّ ” بيت الثلج” باحثا عن مشروب الفودكا أمام هلع الضابط،  فوجئ بالببغاء وهو يردّد دون انقطاع ” يعيش الرفيق ستالين يعيش الرفيق ستالين”.

ابتسم ذو الشارب الكثيف والقبضة الحديدية وقال لضابطه: ألم أقل لك إنّ النفي إلى سيبيريا يعلّم المتمرّدين الانضباط…انظر إلى ببغائك كيف صار على جادة الصواب حين أودع بيت الثلج.

وما دام المزاج سوفيتيا في البلاد التي انطلقت ثورة جياعها في عز البرد وحاصرت القصور الشتوية للقياصرة، فعندما كانوا يرسمون الحدود بين روسيا السوفيتيّة وجارتها فنلندا، صادف أن مرّ خطّ الحدود الافتراضي فوق منزل فلاّح بسيط فقسمه إلى نصفين تماما, وبتساو مذهل,عندئذ اضطرّت  الشرطة الستالينيّة أن تسأل ذلك الفلاح : أيهما تفضّل, أن تكون مواطنا سوفيتيّا ينتمي إلى دولة عظمى أم واحدا من رعايا دولة مستضعفة اسمها فنلندا؟..

فرك الفلاّح كفّيه من شدّة البرد والخوف ثمّ أجاب بسؤال:هل تسمحوا لي يا رفاق بالعيش في فنلندا؟

ـ نعم بإمكانك ذلك, شرط أن تجيبنا عن سبب هذا الاختيار المحيّر.

ردّ الفلاّح على الفور: يبدو لي أنّ الطقس في فنلندا أكثر دفئا من روسيا.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى