مثل وجهي أو أقل قليلا
جرّب أن تجامل أحدهم في عالمنا العربي بقولك ” إن الله قد أعطاك على قدر نواياك“.
حتما، لن تظفر منه بعبارة امتنان صريحة.. سيرتبك في البداية، يصمت هنيهة، يرمقك بريبة ثم يشير مهمهما بربع كلمة شكر وقد عجّت في رأسه وتزاحمت عشرات الشكوك والتساؤلات والتوجسات.. وإلا فكيف تفسر دعاء بعض الماكرين “اللهم ارزقهم أضعاف ما يتمنون لي”..؟
أمّا إذا أثنيت على عمل واحد وأردت ملاطفته بعبارة ” شغلك مثل وجهك” فتأكد أنه سيعتبر كلامك هذا، شكلا من أشكال التنمّر.. إن لم يكن بمثابة إعلان حرب.
ترى.. من أين جاءت هذه الثقة المنهارة في صدق نوايانا وبشاشة وجوهنا؟
يبدو أن لا ثقة أصلا، في كلا الحالتين: لا بيننا وبين أنفسنا، ولا بيننا وبين الآخرين. الثقة والتصديق من أبرز عيوب الحمقى والمخدوعين في نظر العامة، في حين أن التجربة والبرهان أثبتتا أن انعدام هاتين الصفتين، هو من أوضح سلوكيات الأغبياء والمرضى النفسانيين، ذلك أن “الحيلة في ترك الحيل”، وكل الناس طيبون إلى أن يأتوا ما يخالف ذلك.
وحدهم الخبثاء والموتورون ينظرون إلينا كأصحاب وجوه قبيحة ونوايا دنيئة على الدوام، لكن الأخطر من ذلك كله، أن ننظر نحن إلى أنفسنا بنفس النظرة، وذلك مثل حكاية الذي سأل شريكه قائلا “هل تفكر في مثل ما أفكر فيه؟” أجابه الثاني “نعم” فرد ” آآه من نواياك العاطلة يا شريكي العزيز”.
كل الآراء والانطباعات والتقديرات الإيجابية في أذهان المرتبكين وقواميسهم، هي محض افتراء أو استهزاء أو تآمر وتحقير في أدنى تفسيراتها. واضح أن الاعتراف بالجميل ليس من طبائع ذوي النفوس المهزوزة، ولا من ثقافتهم.
دعونا نقيم الحجة والدليل على صحة هذا الرأي.. انظروا كم مبدعا عربيا تألق في المحافل الدولية، ولم تطله الشائعات والأقاويل التي تبدأ من حياته الشخصية لتنتهي إلى التشكيك في ولاءاته وارتباطاته.
النجاح ـ في نظر سلاحف الحكمة وجرذانها ـ شبهة، والتألق تهمة، أما الاعتراف الدولي فقد يرقى إلى جريمة تستوجب العقاب. أفضل طريقة للحفاظ على وجهك صبوحا ونواياك سليمة هي أن تختفي، وتبادر لعدم فعل أي شيء. إن الأمر أشبه بالطرفة التي تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام، والقائلة بأن أفضل طريقة للتخفيف من إصابات كورونا، هي تجنب إجراء الفحوصات والإحصاءات.
ولكي لا نذهب بعيدا نحو ثيمة التعامي كطريقة للخلاص، وفق أسلوب أهلنا في منطقة الجريد التونسي، المعروفين بروح النكتة والقائلين بأن أفضل السبل للتخلص من دود التمر هو أكله في الظلام، فإني عرضت ـ لتوّي ـ هذه السطور على صديق آخذ رأيه فيما كتبت، فقال لي “إنها كوجهك”.
هرعت إلى المرآة أسأل رأيها فباحت لي ب”النوايا”.. أقصد “نوايا التمر” التي نرمي بها في العتمة متجنبين ديدان النقد، والرأي الخاسر.
باب الشرق