مجابهة بين المثقف والأجهزة الفقهية لم نشهدها من قبل
أسئلة كثيرة حول فاعلية دور المثقف العربي يطرحها المفكر خالد زيادة ويحاول رصد الاجابات لها.
في كتابه “الكاتب والسلطان.. من الفقيه إلى المثقف” يطرح المفكر اللبناني خالد زيادة رؤيته للعلاقة المركبة بين فكرة الكتابة وعلاقتها بالسياسة، والأثر التفاعلي بينهما الذي ينتج علاقة الكاتب بالسلطان، والمقصود بالكاتب هنا هو المثقف العربي الذي تشعب دوره السياسي والإجتماعي على مدار التاريخ العربي.
فما هي العلاقة بين الكاتب والسلطان، بين الكاتب ورجل الدين؟ بين المثقف والسياسي، وبين المثقف ورجل الأمن، وبين المثقف ورجل الشارع؟ أسئلة كثيرة حول فاعلية دور المثقف العربي يطرحها هذا الكتاب ويحاول رصد الاجابات لها.
يبدأ الكاتب من أحداث قريبة هي ثورات الربيع العربي، ويرى كيف أعادت التطورات التي تشهدها الدول العربية منذ بداية عام 2011، النقاش حول دور المثقف في الأحداث والتغيرات، وفي المشاركة في رسم التطورات المتعلقة بصياغة الدساتير والانخراط في النقاش حول الدولة الدينية والدولة المدنية. ويحلل كيف أبرزت الأحداث دور الأحزاب والجمعيات ذات الخلفية الإسلامية ورموزها من الدعاة الذين اضطلعوا بفعل التغيرات العاصفة بمسئوليات الحكم وتسلم زمام السلطة. هذه التطورات والتغيرات التي يشهدها العالم العربي لم تولد فجأة ، يقول: “كذلك فإن أدوار رجل الدين والداعية والكاتب والمثقف ذات جذور في تاريخنا الاجتماعي والثقافي”.
إنطلاقا من هذه الفكرة يكشف الكاتب أن هذا الكتاب يتناول علاقة أجهزة الفقهاء وكتاب الديوان بالسلطة، وهي علاقة ترتكز إلى أسس راسخة في التاريخ، إلا أنها تتفاوت بتبدل الظروف السياسية وتغير الدول في تاريخنا المعاصر الذي شهد انعطافات حاسمة منذ الخلافة الإسلامية وحتى الآن .
والكتاب إذ ينطلق من سؤالين، أولهما يتعلق بالموقع الذي كانت تشغله الأجهزة الفقهية في الدولة السلطانية؟ أما الثاني فيأتي من فضاء مختلف، ويتعلق ببروز شخصية اجتماعية جديدة متمثلة بالمثقف.
ويوضح المؤلف أن الأجهزة الفقهية كان منوطا بها القيام بأعباء الوظائف الدينية من إمامة وخطابة وتدريس وصولا إلى تولي القضاء. وكانت تملك حيزا من الاستقلال الذاتي في تسيير شئونها. إلا أن هذه العلاقة كانت عرضة للتبدل مع الانعطافات والانقلابات وتغير الدول. وهذا ما حاول الكتاب رصده خلال فترات من التاريخ في الحقبات الأخيرة. وذلك من خلال المؤلفات التاريخية المعروفة وكذلك من خلال المصادر غير الشائعة كالسجلات الشرعية وتراجم الأعيان .
• تجارب ثقافية غربية
أما فيما يتعلق ببروز المثقف فيبدو أكثر تعقيدا، فقد درجت الدراسات التي تناولت الموضوع على استعادة التجربة الفرنسية من إميل زولا وصولا إلى جان بول سارتر، أو بالعودة إلى الأدبيات الماركسية وخصوصا لدى الإيطالي أنطونيو غرامشي. وكان لهذه الدراسات أن توضح لنا مسار المثقف اللاتيني أكثر من التعرف إلى شخصية المثقف العربي، كما أنها قدمت صورة يظهر فيها المثقف مستقلا ومعارضا للسلطة مسترجعا فكر الأنوار في القرن الثامن عشر المعادي للاستبداد والكنيسة.
والواقع أن التجربة الفرنسية لا تختصر لنا تنوع شخصية المثقف في التجربة الأوروبية، يكفي أن نعود إلى التجربة الألمانية منذ نهاية القرن الثامن عشر والدور الذي لعبه المفكرون في بلورة الهوية الوطنية وفي بناء الدولة .
يقول المؤلف: “لقد اقتنعت بأن ولادة المثقف في البيئة العربية ترتبط بتجربة التحديث في عصر النهضة والتنظيمات، وأن وظيفته لا يمكن فهمها إلا على ضوء الوظائف التي شغلها من قبل الفقهاء وكتاب الدواوين، مع التأكيد على ضرورة التمييز بين الوظيفة التي يضطلع بها الفرد أو المؤسسة وبين الدور الاجتماعي والثقافي والسياسي الذي يتبدل تبعا لتبدل الظروف وتغير الأسئلة من حقبة إلى أخرى”.
ويوضح د. خالد زيادة إننا ندخل اليوم في العالم العربي مرحلة جديدة من التحولات التي ستستغرق سنوات عديدة، سوق نشهد فيها مجابهة بين المثقف الذي يحمل أفكار التحديث ويدافع عن الدولة، وبين من يعتبر أنه يملك الفهم الصحيح لتعاليم الدين، وإننا سوف نعايش مجابهة لم نشهدها على هذا النحو الصريح من قبل، ومع ذلك فإن قراءة التجربة التاريخية تتيح لنا أن نفهم على نحو أفضل الجذور التاريخية لما نشهده راهنا، وما سنشهده في المستقبل القريب .(خدمة وكالة الصحافة العربية).
ميدل إيست أون لاين