محكومون بالتفاؤل :عن ضرورة (نظام عربي) للإستجابة للكوارث و مواجهة المخاطر
فؤاد شربجي
علق أحد السياسيين السوريين على ما طرحته في الافتتاحية السابقة من إمكانية تحول (الإغاثة الإنسانية إلى مارشال عربي يعيد دول المشرق إلى العمل العربي المنسق) وكان تعليقه يعيب على الافتتاحية أنها (متفائلة كثيراً) ولكن لم تمض أيام حتى سمعنا وزير الخارجية السعودية في مؤتمر ميونخ للأمن يعلن أن (هناك توجه عربي للحوار مع الحكومة السورية ولو بدءاً من القضايا الإنسانية وعودة اللاجئين) وأكد الأمير فرحان ابن فيصل أنه (لا يجوز بقاء الأوضاع في سوريا على هذه الحالة) والتقط القضية أستاذ عربي للعلوم السياسة في كبرى الجامعات الأمريكية لطرح ضرورة (التنسيق العربي وإقامة نظام عربي لمواجهة الكوارث) مبيناً أن هذا التنسيق يشكل مقدمة للتنسيق السياسي الذي يحفظ مصالح الدول العربية ويحمي الشعوب العربية تجاه مخاطر كثيرة ليس أولها الكوارث وليس آخرها هيمنة الآخرين على مصائرنا.
لابد أن الدول المركزية في الأمة العربية، كالسعودية والإمارات ومصر، قادرة على (إطلاق مبادرة) تتجاوز خلافات السنين الماضية لتنشيط التنسيق بين الدول العربية، وخاصة بين العراق وسوريا ولبنان والأردن واليمن وعمان و مع السعودية والإمارات ومصر و قطر، و تنشئ المؤسسات اللازمة والقادرة على الاستجابة للكوارث في الوقت المناسب وبالسرعة المناسبة كي تليق الإغاثة بكرامة وحياة الإنسان العربي. وتساءل الأستاذ الجامعي المتميز في علم التفكير السياسي : لماذا لا يوجد ممثل للأمين العام للجامعة العربية مسؤول عن الشؤون الإنسانية و الاستجابة للكوارث ؟؟ ولماذا لا يمتد نشاط بعض المؤسسات الخيرية في السعودية والإمارات وقطر والكويت لتكون مرجعية مؤسسية للاستجابة للكوارث في حال حدوثها ؟؟؟ كلها أفكار تدور حول البحث عن صيغة لنظام عربي ينسق الجهود للاستجابة الإنسانية في حالة الكوارث والأوبئة وهي ضرورة باتت ملحة بعد تغيرات المناخ الخطيرة وبعد كارثة زلزال تركيا وسوريا.
إن استعادة الحالة الطبيعية في سوريا يحتاج الى توافق عربي يبدو انه – و كما قال وزير الخارجية السعودي – قطع شوطاً نحو (إطلاق حوار مع الحكومة في دمشق) للتنسيق فيما يخرج الشعب السوري من حالة الاختناق المعيشي والضيق الاقتصادي و الجمود السياسي، وبما ينعش الحياة الفاعلة للسوريين ويعيد اللاجئين إلى بيوتهم. وهذا ما سيمهد للسعي العربي المتكامل في إطار إزالة كل عوائق استعادة سوريا لحياتها الطبيعية وأولها العقوبات والحصار، و إستعادة ثرواتها المنهوبة لتتمكن من السير في إطار الارتقاء السياسي الشامل الذي يشكل مطلب السوريين الحقيقي بعيدا عن أطماع و سياسات القوى الأجنبية في الهيمنة والسيطرة.
من أول واجبات أي دولة طبيعية أن تتعلم من دروس الأحداث، وان تستخلص العبر من الاقدار والكوارث. ولابد للدول العربية أن تسرع الخطى للتنسيق العربي في إقامة نظام عربي للاستجابة للكوارث كمقدمة لنظام عربي لمواجهة الأخطار التي تهدد العرب في أمنهم القومي واستقرارهم الجيوسياسي. وإذا كانت أفتتاحيتنا حول إمكانية تحول الإغاثة الإنسانية إلى مارشال عربي متفائلاً فإن هذا التفاؤل كان في محله على ضوء ما طرحه وزير الخارجية السعودي من ضرورة التعاون مع الحكومة السورية بدءاً من الإغاثة الإنسانية وعودة اللاجئين لأنه من الضروري للمصالح العربية عودة سوريا لحياتها الطبيعية كدولة كاملة السيادة. التفاؤل الواقعي والمستند لتقدير موضوعي للوقائع، والقائم على فهم طبيعة حقائق الواقع، هو رافعة الارتقاء السياسي وهذا جوهر العروبة الحضارية التي يتمسك بها العرب كشعوب لا تتخلى عن دورها الحضاري وكدول تتمتع ببصيرة أستراتيجية و تملك حكمة إستشراف المستقبل و الإسهام في بنائه و صونه ..
فهل نرى تنسيقاً عربياً يستثمر في الجيوسياسة بما يحقق الأمان تجاه الكوارث، والامن تجاه تنافس وتدافع الآخرين مع دولنا، ويكفل الارتقاء للدور العربي اللائق بامتهم ودولهم وموقعهم وإمكانياتهم كعامل فعل حضاري وإنساني…
أننا محكومون بالأمل والتفاؤل ..