محلات الأنتيكات في بغداد تخلع ثوبها… وتستبدل بضائعها بأحذية وحقائب

 

يسارع عماد فخر الدين محمد إلى إخراج بضاعته من الأحذية والحقائب النسائية مبكراً، ويضعها أمام باب المحل ليجذب متبضعي الجملة والمفرق في فعالية تبدو جديدة عليه، وذلك بعدما تخلّى عن محل الأنتيكات الذي يملكه في شارع النهر ببغداد، لمصلحة بضائع استهلاكية.

يقول عماد بحسرة: «قاومت انحدار المهنة لأعوام طويلة وكنت أعتقد أن الأيام ستصلح الأذواق وأن الناس سيعودون لاقتناء أشياء تمثل تاريخهم وتراثهم. لكن الوضع بدا أكثر سوءاً، وقام معظم أصحاب المحلات بإبدال بضاعتهم من الأنتيكات إلى الملابس والأحذية والحقائب النسائية والكماليات وغيرها، فيما رفضتُ الفكرة لأعوام طويلة قبل أن أكره على ذلك أنا الآخر لظروف المعيشة».

ويتابع: «لم يعد التراث والسلع التي تتميز بعمرها الطويل تجذب الناس، فالأذواق تغيرت والمهتمون بالأشياء النادرة باتوا يعدون على الأصـــابع. فالـــغالبية تفـــضّل التسوّق من المولات الكــبيرة والتفكير بالسلع الاستهلاكية. ولم تعد العائلة العراقية تهتم بالتراث والتاريخ».

محلات الأنتيكات كان يفتح في وقت متأخر لأن زبائنه لا يأتون باكراً، وكان معظمهم من العراقيين المغتربين فضلاً عن مهتمين باقتناء الأشياء القديمة والتراثية وكانوا يسألون عنها باهتمام بالغ. أما متبضعو الأحذية فيحضرون باكراً، لذا غيّر عماد موعد فتح محله مع تغيّر زبائنه، وبات عليه أن يتأقلم مع الوضع الجديد.

تنتشر معظم محلات الأنتيكات في شارعي الرشيد والنهر وكان غالبية مرتاديها من الأجانب الذين يبحثون عن أشياء فريدة، لكن أزمة تلك المحال بدأت مع السنوات الأولى من تسعينات القرن الـ20 بالتزامن مع تناقص أعداد الأجانب تدريجاً، لا سيما في سنوات الحصار الاقتصادي، إذ قلّ الإقبال عليها.

وبعد عام 2003 بدأت هذه المحلات تشهد انتعاشاً بسيطاً إذ كان معظم الجنود الأميركيين يتبضعون منها بمساعدة المترجمين أحياناً فضلاً عن عودة عراقيين من محبي الأشياء النادرة من خارج البلاد. لكن الركود عاد وتدهور الوضع مجدداً بعد رحيل القوات الأميركية. فاستبدل أصحاب المحلات بضائعهم تدريجاً بملابس وأحذية وحقائب نسائية لكسب قوتهم.

يلفت أمين عزت سالم، وهو صاحب محل في شارع النهر، إلى أنه لو لم يغيّر بضاعته قبل ثلاثة أعوام لما تمكن من توفير حاجات أسرته. ويضيف: «انتهى عصر الأنتيكات والتراث في العراق، فلا أحد يهتم بذلك اليوم وبضاعتنا باتت غير مرغوبة فغيّرناها لنتماشى مع أذواق الناس».

أصحاب محلات أخرى في شارع الرشيد تحوّلوا إلى الملابس الرياضية الرجالية، لكنهم احتفظوا في الوقت عينه بموقع المحل المحاط بأبنية قديمة تعود إلى بداية القرن الـ20، التي لا تزال تحمل طابعاً معمارياً مميزاً.

«أذواق الناس تبدّلت والذين تستهويهم التراثيات والأنتيكات باتوا يعدون على أصابع اليد الواحدة. لذا، بدأنا البحث عن الزبون العادي الذي يقبل على السلع الاستهلاكية بعدما قاومنا التغيير لسنوات»، يقول أحد أصحاب هذه المحلات. لكن زميلاً يعترض على كلامه، مؤكّداً أن هناك باعة، ولو أنهم قليلون جداً، متمسكون ببضاعتهم من الأنتيكات على رغم كل شيء. وقد أودعوا القطع النادرة في منازلهم، ويوفرونها للراغبين عند الطلب.

يذكر أن غالبية أصحاب محلات الأنتيكات بدأوا هواة لجمع المقتنيات النادرة ثم فتحوا مخازن لبيعها. علماً أنهم لم يفرّطوا بمقتنيات نادرة يعتزون بها، فقد رفضوا بيعها على رغم المبالغ المغرية التي دفعت لهم لقاء ذلك.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى