محمد جواد ظريف… لقطة مقرّبة
من الطبيعي أن يحظى كتاب «سعادة السفير: محمد جواد ظريف» (دار أوال) بكل هذه الضجّة. كيف لا والرجل هو وزيرُ الخارجية الأشهر عالمياً ــ لربّما ــ خلال الأعوام العشرة الماضية؟ يأتي وزير الخارجية الإيراني الحالي (وسفير/ ممثل إيران لدى «الأمم المتحدة» منذ عام 2002 إلى 2007) محمّد جواد ظريف بخلفيةٍ لا مثيل لها: قاهر الأميركيين في معركتهم الدبلوماسية مع بلاده؛ وصاحب الصورة الشهيرة والضحكة العارمة أمام وسائل الإعلام بقدّها وقديدها. الخارج عن معتاد الدبلوماسية العالمية بضحكته الشهيرة، لا ريب أنه يعدّ واحداً من أشهر رجال القرن الحالي، حيث لا يمكن لأحد نسيان اسم وزير خارجية الجمهورية الإسلامية في إيران. الرجل المتواضع، المتقن بمهارة للغة الإنكليزية، وُصِف يوماً بأنّه «أنجح دبلوماسي حظيت به إيران منذ الثورة، والرجل الوحيد في العالم الذي يستطيع أن يتحدّث إلى جون كيري في يوم، ثم إلى علي خامنئي في اليوم التالي، وأن يقنع كلاً منهما بأن يشاركه وجهة نظره» (الكلام لكريم سجادبور المحلل في معهد «كارنغي للسلام الدولي»). هذا الأمر عينه يوجد على مقدّمة كتاب «الدبلوماسية» لهنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق الذي أرسل له الكتاب موقّعاً بإهداء «إلى عدوي المحترم محمد جواد ظريف». ترجم محمد العطّار الكتاب إلى اللغة العربية بعد حصوله على اهتمامٍ محلي إيراني واسع، ما أدى إلى طباعته سبع مراتٍ متتالية (بلغته الأصلية الفارسية).
يأتي «سعادة السفير» أشبه بمقابلةٍ طويلةٍ على شكل «أسئلةٍ» و«أجوبةٍ» بين مُحاوِرٍ (هو محمد مهدي راجي ضمن دراسة أعدّت للماجستير) ومُحاور اعتاد أن يكون في قلب الحدث السياسي حاملاً منطق السياسي المحنّك والدبلوماسي في آنٍ معاً. تشرح مقدّمة الناشر (أي دار أوال) أنَّ النص بين دفتي الكتاب هو ما قاله «السفير» بين عامي 2010 و2012، مؤكدين: «أنه يكتسب أهمية كبرى بعد توليه وزارة الخارجية وبعد النجاح الذي حققه الملف النوي الإيراني في عهده، ولأنه كان حاضراً في كثير من الأحداث والاستحقاقات، ما أعطاه الأهلية الكافية لتولي عملية تفاوضٍ بهذا الحجم». ويثير المترجم في مقدّمته أسئلة حول بعض الأمور التي لم يتطرّق إليها السفير (والكتاب حكماً) كالربيع العربي أو الشأن الداخلي الإيراني، أو حتى علاقاته الخاصة ببعض أركان النظام الحاكم في الجمهورية آنذاك.
الكتاب الذي لخّص أكثر من أربعين ساعةً من اللقاءات بين المتحاورين، قدّم تقريباً شخصية الرجل القادم من العاصمة طهران، والمولود في 8 كانون الثاني (يناير) 1960، لعائلةٍ «ثرية» (إذ يشير في الكتاب إلى أنَّ والدته ابنة لتاجرٍ كبيرٍ معروف ووالده تاجرٌ معروفٌ كذلك). درس ظريف في المدرسة العلوية الخاصة، وصولاً إلى خروجه من إيران وهو لا يزال في 17 من عمره، حيث درس في «مدرسة درو» التحضيرية في سان فرانسيسكو في كاليفورنيا، ثم في جامعة المدينة نفسها ليحصل على ليسانس العلاقات الدولية (1981) ثم الماجستير (1982)، ثم الدراسات العليا من «كلية جوزيف كوربل» (من جامعة دنفر في كولورادو)، ليتبعها بماجستير ثانٍ (1984) ثم الدكتوراه في القانون الدولي والسياسة (1988). ما لا يعرفه كثيرون عن الرجل أنه من أوائل من عملوا في البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة، إذ قضى ما لا يقل عن 25 عاماً في أروقتها (دخلها بدايةً – وبعد انتصار الثورة الإسلامية مباشرةً عام 1979 ـــ وهو لا يزال طالباً في الدكتوراه في «جامعة دنفر»، ثم لاحقاً موظفاً محلياً في البعثة الإيرانية هناك)، أي أنّه كان يعرف «كيفية» الحراك بداخلها قبل وصوله إلى رئاسة البعثة. لقد تشرّب كل وسائلها وطرقها و«دهاليزها» قبل أن يحقق انتصاراته المبهرة لاحقاً. يفصّل «السفير» إنجازاته في الشأن الدبلوماسي، فيتحدث عن واحدٍ من أهمها: «لم يكن ثمة شك في أن العراق هو من بدأ الحرب، ولكن كان من الواجب أن تؤيد الأمم المتحدة هذا الأمر، وهو أمر صعب بحسب الظروف آنذاك. ولهذا كان عملاً شاقاً بذلنا فيه الكثير من الجهد. إن أحد أفضل أوسمة الشرف في حياتي هو تمكني من إنجاز هذا الأمر، وأفضل نجاح سياسي للجمهورية الإسلامية في الحرب، هو الحصول على تقرير من الأمين العام للأمم المتحدة يصف فيه العراق رسمياً بأنه المسؤول عن الاعتداء على إيران» (في إشارة طبعاً إلى الحرب العراقية الإيرانية). يتميز الكتاب بنوعٍ من المباشرة والبساطة الشديدة وإن ظهرت مهارات السفير الدبلوماسية المختلفة، التي تروي العديد من التفاصيل الحميمة في حياته. في الإطار عينه، برزت آراء ظريف السياسية واضحةً في الكتاب، إذ يشير مثلاً: «لو لم تكن العلاقة الإيرانية – الأميركية بهذا الشكل، لم تكن تركيا لتبرز في العالم الإسلامي كنموذج جيد للحكم»، مؤكداً أن «راية الرئيس محمد خاتمي» التي «أراد رفعها في العالم الإسلامي، أي راية الاعتدال، راية الحوار، راية المخالفة العقلانية ضد إسرائيل، والاستقلال عن أميركا، أصبحت اليوم في يد تركيا»، مشيراً إلى الفارق الكبير بين حركة خاتمي التي يصفها بأنّها «مبدئية» وبين حركة تركيا التي يجد أنّها «سياسية».
إنه كتاب مليء بتفاصيل داخلية وحميمة ليس فقط حول رمز من رموز السياسة الخارجية لبلاده، بل حول مفاصل في الحياة السياسية والدبلوماسية، سواء في إيران أو في العالم بأسره.
صحيفة الأخبار اللبنانية