سلايدمشاهير

محمود جركس… وترجّل حارس اللغة العربية

وسام كنعان 

خسر الممثل السوري المخضرم محمود جركس معركته مع المرض، ففارق الحياة في مقرّ إقامته في السويد بعد مسيرة غنيّة بالأعمال المسرحية والتلفزيونية. الفنان الذي لطالما تمسّك بلغة الضاد، لم يحظ بوداع يليق بتاريخه

«وداعاً لحارس اللغة العربية، الذي حمل على عاتقه أن لا تُبَثُ كلمة فيها خطأ نَحوي على أثير هواء إذاعة دمشق في حضوره.. وداعاً أيها المعلم القدوة، والقمة الشاهقة كقاسيون… سنشتاق لك». بهذه الكلمات المؤثرة نعت النجمة السورية وفاء موصلي زميلها الراحل محمود جركس (1933 ــ 2023) الذي انطفأ أوّل من أمس عن عمر ناهز 90 عاماً، في مكان إقامته في السويد، بعدما صرعه المرض الذي ألمّ به منذ عام 2017. حينها، نشرت عائلته صوراً له وهو يقبع في غرفة العناية المركّزة لكنّه تجاوز الأزمة، واستقرّ صحياً نسبياً إلى أن تفاقمت الحالة مجدداً قبل حوالي أسبوع ليذوي يوم الإثنين من دون أن يحظى بوداع لائق، ما عدا نعوة «نقابة الفنانين السوريين» وبعض زملائه.

بنى الراحل تاريخاً كبيراً من الإنجاز، وحفر الصخر بإبرة برفقة الرعيل الأوّل الذي أسس لنهضة الدراما السورية ووضع المداميك الأولى لعمرانها الحضاري المترف. وإن كان حضوره قد ظلّ بعيداً عن الشهرة الطائلة والصيت الذائع بسبب انحسار أدواره التلفزيونية، إلا أنّه كان أستاذاً بكل ما تحمل الكلمة من معنى، يمكن أن يبالغ في حرصه على اللغة، باعتبار أنّ الفصحى منبع الشغل الفني الرصين، ولا يمكن تجاوزها من دون إتقان وافٍ. مع ذلك، حصد محبة وشعبية وافرتين عندما لعب دوراً في «الخوالي» (كتابة أحمد حامد، وإخراج بسّام الملّا). حملت هذه الدراما الشامية البسيطة سرّاً غريباً في قدرتها على اختراق قلوب الجمهور والوصول إلى أكبر شريحة ممكنة. حينها، أوقف المسلسل الشارع السوري، وحقق لنجمه بسّام كوسا حظوة لا تضاهى، لكنه في المقابل صنع مجد الكثير من الممثلين الذين شاركوا فيه.

كانت الرحلة طويلة وشائكة بالنسبة إلى الممثل المخضرم. بدأت من دمشق، وتحديداً من حيّ قديم عُرف بحي الأكراد. عاش طفولته محروماً من أبيه، إذ كانت أمه المعيلة الوحيدة للأسرة. خبرة الوالدة الواسعة في شؤون الحياة وتمسّكها بـ«الأخلاق الحميدة والمبادئ السامية»، ساعدته على اكتساب المعارف. وبقيت أمّه طوال حياته الملهمة الأولى والأخيرة التي لا تغيب عن أي حديث وجداني معه. أما تورّطه في مجال الثقافة وصوغ الشخصية الحادّة التي لا تهادن في العلم، فنابعان من شخصيات المسرحيات العالمية التي قرأها باكراً، فأخذه هذا العالم نحو عشق اللغة ومن ثم الشغف بمهنة التمثيل.

احترف المهنة أثناء خدمة العلم الإلزامية، وتحديداً ضمن المسرح العسكري. الوقت الذي يعتبر بالنسبة إلى أي سوري ضائعاً، كان مختلفاً بالنسبة إلى محمود جركس الذي طوّعه لخدمة موهبته التي كرّسها بمنطق لغوي فصيح وتلقّف للشعر والوزن والقافية.

في ستينيات القرن الماضي، انضم إلى نادي «الأزبكية» الفنّي، بعدها قدّم بصحبة مديره مسرحية بعنوان «أريد أن أقتل»، بمشاركة عدد من الأدباء والكتّاب. كما انتسب هذا العمل لقطاع المقاومة الشعبية، وكانت حينها ثورة الجزائر مشتعلة وقد تركت آثارها البليغة في نفوس الجماهير العربية بشكل واضح.

توالت الأعمال عليه إلى أن أصبح في رصيده أكثر من 60 مسرحية وعشرات الأعمال التلفزيونية والإذاعية، أبرزها: «حمام القيشاني» (تأليف دياب عيد، وإخراج هاني الروماني)، و«الفراري» (تأليف وإخراج غسان باخوس)، و«شجرة النارنج» (تأليف حسن سامي يوسف، وإخراج سليم صبري)، و«صقر قريش» (تأليف وليد سي

 

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى