تحليلات سياسيةسلايد

مخاوف متصاعدة من اشتعال «الداخل»: إسرائيل تستعيد كوابيس «سيف القدس»

تُواصل حالة الاشتباك مع العدو الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلّة، تمدّدها، من جنين شمالاً، إلى الخليل جنوباً، وصولاً إلى القدس، المدينة الأكثر حساسية وخصوصية بالنسبة إلى الاحتلال، والتي شهدت في الأيام الأخيرة مواجهات في عشرات الأحياء والمناطق، دفعت وسائل الإعلام العبرية إلى الحديث عن فقدان السيطرة عليها. واعترفت المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية، بدورها، باتّساع رقعة المواجهات وازدياد شراستها، مع دخول القدس بقوّة على خطّها، وقرْعها جرس الإنذار من وصول هذه الحالة إلى الداخل المحتلّ. وفي هذا الإطار، وصف ضبّاط في جيش الاحتلال ومسؤولون أمنيون وعسكريون الإضراب العام الذي شهدته القدس الأربعاء، بالتزامن مع إعلان مخيم شعفاط العصيان المدني، بـ«اليوم الأصعب» منذ معركة «سيف القدس» في أيار 2021، نظراً إلى شدّة المواجهات التي أحرق خلالها الشبّان الفلسطينيون مركبات الشرطة بالزجاجات الحارقة والعبوات الناسفة المحلّية الصنع، ورشقوا حافلات المستوطنين بالحجارة والزجاجات الحارقة، ما أدّى إلى إصابة العديد منهم بجروح. وبينما ذكرت قناة «كان» الإسرائيلية أن القيادات الأمنية تخشى من امتداد التوتّرات إلى داخل الخطّ الأخضر، أفادت «القناة 14» العبرية بأن «قوات الشرطة تستعدّ لاحتمال حدوث مواجهات عنيفة في تظاهرات مخطَّط لها في منطقتَي أم الفحم وحيفا». وجاء تحرّك المقدسيين الأخير ردّاً على تصعيد قوات الاحتلال اعتداءاتها على مخيم شعفاط، وتطويقها مدينة نابلس، ما دفَع المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية، بقرار سياسي من حكومة العدو، إلى تعبئة 4 سرايا لتعزيز القوات في القدس، وإبقاء 10 أخرى في وضع الاستعداد للنزول إلى الشارع. واستطاع المقدسيون، خلال السنوات الماضية، وتحديداً منذ معركة البوّابات الإلكترونية وما تبعها من جولات؛ أبرزها خلال معركة «سيف القدس»، تهشيم هيبة الردع الإسرائيلية، وهو ما يشجّعهم اليوم على المضيّ في مقارعة الاحتلال لمنْعه من فرض أمر واقع على أحيائهم ومناطقهم، وتحديداً مخيم شعفاط.

أمّا في الضفة، فلا يزال التصعيد على أشدّه، حيث شهد أمس «يوم غضب» بدأ مبكراً بإعلان استشهاد الشاب محمد تركمان، منفّذ عملية الأغوار قبل أسابيع، متأثّراً بجروح أصيب بها خلال العملية، ليتبع ذلك اقتحام إسرائيلي كبير لمخيّم جنين، تصدّى له المقاومون بشراسة، واستشهد خلاله الشاب متين ضبايا من مؤسِّسي «كتيبة جنين»، والدكتور عبد الله الأحمد، فيما اعتُقل المطلوب ضياء سلامة الذي يتّهمه الاحتلال بالانتماء إلى «كتائب القسام» وتنفيذ عمليات إطلاق نار ضدّ أهداف إسرائيلية. وأعلنت «كتائب شهداء الأقصى»، الذراع العسكرية لحركة «فتح»، أن مقاتليها تمكّنوا، خلال الاشتباكات التي استمرّت لساعات، من إيقاع جنود العدو في كمين، واستهدافهم بعبوة محلّية الصنع وإطلاق النار بشكل مباشر في اتّجاههم، ما أدّى إلى وقوع إصابات مؤكّدة في صفوفهم، بينما أظهرت مقاطع مصوَّرة تمكُّن مقاومين من استهداف آليات الاحتلال بالعبوات المتفجّرة داخل المخيم، ثمّ بالرصاص الكثيف. ويقارن الإعلام العبري ما تشهده الضفة والقدس حالياً، بالوضع الذي كان سائداً خلال معركة «سيف القدس»، وهو ما يدفعه إلى القول إن «قوات الأمن تفقد السيطرة على الشارع». وفي هذا الإطار، قال عاموس هارئيل، المحلّل العسكري لصحيفة «هآرتس»: «مِثل النار في ساحة ألغام، العنف في الضفة يشتعل، ومرشَّح لمزيد من التدهور، من جنين إلى نابلس، ثمّ القدس الشرقية وربّما المسجد الأقصى، وصولاً إلى داخل منطقة الخط الأخضر»، متابعاً أن «الصعوبات الإسرائيلية تتراكم، واستخدام المزيد من العنف من الجانب الإسرائيلي سيرتدّ».

من جهته، رأى وزير الحرب الإسرائيلي، بيني غانتس، أن «من الصعب معرفة متى ستنتهي موجة العنف الحالية»، مشيراً إلى «(أننا) سنعزّز القوات وفق الحاجة، والجيش الإسرائيلي مستعدّ لتعزيز قوات حرس الحدود في القدس وفي المدن المختلطة»، في إشارة منه الى احتمالية انتقال الأحداث إلى داخل «الخطّ الأخضر». ونفى غانتس أن تكون قوات الأمن قد فقدت السيطرة»، لافتاً إلى أن «عرين الأسود تتكوّن من 30 مسلّحاً، هذه المجموعة ستصل إلى نهايتها»، مضيفاً إن «المرحلة حسّاسة، والهستيريا لن تنجح مطلقاً، منطقة نابلس مليئة بالتحدّيات، ولكن في نهاية الأمر سنضع يدنا على الإرهابيين، إمّا بالاعتقال أو الاغتيال»، متجاهِلاً بذلك فشل المنظومة الأمنية في منْع عمليات المقاومة المستمرّة، أو الوصول إلى منفّذي عمليتَي شعفاط و«شافي شمرون»، واللتَين قُتل فيهما ضابط ومجنّدة.

ولا تزال الأحداث في الضفة مرشَّحة، أكثر من أيّ وقت مضى، لكي تتحوّل إلى انتفاضة شاملة؛ إذ إن تصاعد اعتداءات الاحتلال وتَوسّعها، يقابله انكسار حاجز الخوف لدى الفلسطينيين، واندفاعهم إلى المواجهة، بتحفيز من تمكُّن المقاومة من الوصول إلى مختلف المناطق الجغرافية، بعدما كانت مقتصرة على شمال الضفة، وتنفيذها عمليات موجعة للعدو. ويأتي ذلك بينما يتواصل الحديث في الكيان عن إمكانية شنّ عملية عسكرية واسعة على غرار عملية «السور الواقي» عام 2022، ولكن بشكل مصغَّر. إلّا أن عملية من هذا النوع لا تبدو سهلة التنفيذ، نظراً إلى تبعاتها السياسية ونتائجها العسكرية المحتملة، وخصوصاً مع لجوء المقاومة إلى تكتيكات وأساليب مختلفة وجديدة. كما أن المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية لا تضمن أن لا يؤدّي أيّ اجتياح لشمال الضفة، إلى قلْب الأمور رأساً على عقب، وأن يقود إلى مواجهة واسعة وشاملة، في ظلّ إصرار المقاومة على ربط الساحات بعضها ببعض. وفي هذا الإطار، أكد عضو المكتب السياسي لـ«حركة الجهاد الإسلامي»، خالد البطش، أن «بنادق المقاومة في الضفة الغربية وغزة لن تقبل بالتفرّد بشعفاط وجنين ونابلس، وستبقى صواريخنا مصوَّبة نحو العدو»، بينما حذّرت حركة «حماس» من أن «دماء الشهداء ستُفجّر انتفاضة فلسطينية شاملة». وفي وقت لاحق أمس، دعت «الغرفة المقاومة المشتركة لفصائل المقاومة»، «جماهير شعبنا إلى الاستمرار في الردّ على العدوان الصهيوني»، بكلّ الوسائل الشعبية والعسكرية، مؤكدة أن «المقاومة في غزة ستظلّ عند حُسن ظنّ شعبها بها، سنداً قوياً وفاعلاً ومؤثّراً»، مُحيّيةً «جميع التشكيلات المقاومة التي تنشأ تباعاً في ضفّتنا المباركة». في المقابل، بات ملاحَظاً لجوء قوات الاحتلال إلى محاولة رفْع معنويات المستوطنين بين حين وآخر، بالإعلان عن اعتقال خلايا للمقاومة خطّطت لتنفيذ عمليات، وهو ما جرى أخيراً بعد عمليتَي شعفاط ونابلس، حين أعلن «الشاباك»، الأربعاء، اعتقال أربعة شبان متَّهمين بـ»التواصل» مع قادة من حركة «حماس» في غزة، والتخطيط لتنفيذ عمليات إطلاق نار ضدّ أهداف إسرائيلية.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى