مختارات (2)

” الإنسان يسيل…خراباً”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المدمعه

لم انتبه جيداً، لأول مرة، للوحة المطبوعة على الورقة النقدية من فئة ال500 ليرة سورية… ولكن الصديق سلمان ريا، عالم آثار الثقافة الموسوعية، عرفني بهذه اللوحة:
مجموعة فتيات من قرية مريمين(حمص) يعزفن على آلات واحدة منها قيثارة، والثانية أرغن، وثمة طاولة عليها ثمانية أواني مليئة بالماء بنسب متفاوتة، هي صنوج للطرق عليها (أدوات إيقاع). وهناك أطفال يدوسون على منافخ هوائية موصولة بأنابيب تصدر أصواتاً حسب النوتة. إلى جوار اللوحة كتبوا تعريفاً يقول: أول نوتة موسيقية في العالم.
استفاض سلمان بالشرح، ولكن، في النهاية، ولكي أكتب، الاسبوع القادم، شيئاً بعيداً عن النكد اليومي في الحرب السورية، طلبت منه أن يحكي قصة أجمل أسطورتين يحبهما، فروى هذه المتعلقة بمريمين، قريته المليئة فسيفساء.
في “مريمين” عثروا في كل قبر أثري قديم من عهد الرومان على أواني زجاجية صغيرة تشبه كأس صغيرة ذات عنق. هذه الأواني هي حافظة دموع الحزانى على موتاهم. ويمكن تسميتها “مدمعه” توضع تحت العين وتملأ بكاءً ودموعاً. وكلما كان عدد هذه المدمعات كثيراً كان الراحل قد استحق البكاء.
شكل هذه المدمعات…يذهب البصر إلى هذه الكمية المخيفة من دموع البشر على مفقوداتهم…ونسأل: ألا يمكن أن تكون الأنهار هي القسم الحلو من ماء الدمع المالح؟

العربي والياباني

العرب يشكلون جيوشاً، ويحاربون بكتائب. يشترون التكنولوجيا، ويستخدمون السيوف. يقررون جهة الجبهة المعادية، ويشعلون مسرح عمليات الأهالي. يحتفلون بالنصر على الجثث، ولا يأبهون لخسارة البلدان. ولذلك لم يكسبوا حرباً إلا بشذوذ القاعدة.
الصراع الحضاري، هو الأصعب والأخطر، لأنه صراع إرادات، وتكوينات مجتمعية، وقوى نابضة، حرة ومتطورة. هكذا صراع يتطلب نفض الغبار عن طاولة المبدع، واستبقاؤه في بلاده.
يتطلب ذلك وجود الدول الحديثة، والقوانين الحديثة، والنظم الحديثة.
يتطلب … تفعيل الثروة بدل ترحيلها.
ما وراء السلاح…
ما وراء الصناعة…
ما وراء المال…ثمة الفكرة وتقييم الأشياء.
سألوا رئيس وزراء اليابان البوذي: كيف توصلتم إلى هذا المستوى من التقدم؟ قال: “أعطينا المعلم راتب وزير وجواز سفر سفير”.
وسألوا رئيس وزراء ماليزيا المسلم عن علاقة الدين بالعلم فقال: عندما أصلي أتوجه إلى الكعبة، وعندما أتعلم أتوجه إلى اليابان. (كتابة عام 2000).

الحطب غابة ميتة

1 ـ الصيادون في تركيا واليونان…ملّوا من تخليص شباك الصيد في البحر من الأطفال.
2 ـ هذه الكهرباء اللعينة لا يجعلنا انقطاعها رومانسيي الظلام، ومتأملي ليل، وكاتبي سيرة النور… بل كائنات مؤلفة من نعاس متقطع. أمضينا النصف الأول من عمرنا في القراءة على ضوء الشمعة، وها نحن نمضي النصف الآخر على ضوء الشمعة.
صديقي الدكتور وهب رومية يقول: عندما أقرأ في ضوء خافت، وأنا أستاذ جامعي…أعود طالب بكالوريا.
3 ـ هناك 8 مليون أرملة عراقية، أي 65 % من عدد النساء.
في سورية، حتى لو انتهت الحرب عند آخر أرملة أغلقت سريرها…لن يكون هناك إحصاء رقمي للكارثة…بل ذلك الوجع الأبدي المورث من جيل إلى جيل.
لا بد من سذاجة هذه التنويه: الأرملة تعني اليتيم أيضاً.

حلب

قديش حلوه ذكرياتك يا خشب
عمر شمّها كلما اشتعل قلب الحطب.
ويقول في ريحة شي جاي ومعو…
شي كمشتين تراب من ضحكة حلب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى