مختارات

يحتاج الحب إلى روح نظيفة والموت يحتاج إلى جثة لطيفة
____________________________________________

الحب

-1-

أحد الفتيان (16) سنة في إحدى الديكتاتوريات، قال لزملائه، وهو يساق إلى الإعدام:
“لدي ما أقوله لكم، أتعلمون ما هو؟ أنا لم أمارس الحب قط. وهم سيقتلونني الآن دون أن أكون عرفت هذا الشيء”.

ـ 2 ـ

حارس الغابة الاستوائية، في بيئة الصواعق الموسمية…يقيس سنواته ويؤرخها بحوادث نجاته المتكررة من الصواعق، على هذا النحو:

الصاعقة الأولى…انتزعت ظفراً من قدمه.
الصاعقة الثانية…أطاحت برموشه وحواجبه.
الصاعقة الثالثة…شوت كتفه اليسرى. وإحداهن تركته بلا شعر، وشقت صاعقة أخرى قدمه اليمنى، وفحّمت إحداهن صدره وبطنه…ونجا من صواعق صغيرة تافهة، لا تستحق الذكر،
لكنه أخيراً مات بصاعقة أخيرة.
مات وهو لم يعرف ذلك الشيء…الحب !

الحمار

تلى الطبيب على الشاعر محمود درويش، بعد عملية قلب مفتوح، وصاياه:

” لا تدخن، لا تكتئب، لا تشرب، لا تغضب، لا تتعب، لا تنفعل، لا تقلق، لا تعشق، لا تضطرب، لا تفكر، لا تسهر، لا تسكر…”

عند هذا الحد صاح محمود بالطبيب:

“كفى، كفى…إنك قادر على تحويل أي شاعر إلى حمار”.

تابوت

عندما بدأت باختيار القصائد التي سأقرأها في أمسية شعرية…استبعدت منها التوابيت والقبور والخراب، وأوراق الحزن على ضفاف الغموض الذاهبة إليه بلاد بأكملها. حاولت أن أجعل الهواء هواء وليس خزاناً لكيمياء الموت في مجازات الشعراء. حاولت تقليد نكهة الحياة. قلت:

أغبط الطير…وهو يبني عشه في شجرة، وتحتها صياد.
أغبط الشجرة…وهي ترفو جراح الفؤوس.
أغبط الفؤوس…وهي تنكش فتنة الأرض.
أغبط سورية الحزينة…لحظة خلاصها من محنتها.
أغبط نائماً آمناً في حديقة للجمال. وليس لاجئاً لأنه بلا مأوى.
أغبط، دائماً…دماً انتصر على سيف.
هكذا فشلت في تهوية المكان، وقد زخرفت تابوتاً للأمنيات !

الوطن

التعريف الحقيقي للوطن يتم في لحظة ضياعه القصوى، ذلك لأن البيت الذي أنشأ هذه الرأس، وطور هذه العضلات.. هو مأوى كل أنواع الذكريات، وهو قاهر الشتاء وقاهر الصيف.

الملايين التي نراها بلا مأوى، في سورية والعراق واليمن، ثم مشهد الشرفات المحطمة في المدن المدمرة، والشوارع المملوءة أنقاضاً…كل ذلك تلخصه كلمة استبدالية تشبه الفارق بين “مأوى” و “منفى”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى