مخطط تركي للشمال السوري والسعودية بالمرصاد‎ (عباس ضاهر)

 

عباس ضاهر  

شدّت كسب الأنظار اليها، لكن أحداثاً تتسارع على مساحة الارض السورية أكثر دلالة من تطورات ريف اللاذقية. في القلمون استطاع الجيش السوري وحلفاؤه استعادة السيطرة على معظم المناطق. وبقيت رنكوس ومحيطها وصولا إلى الزبداني.
بعد النبك، اعتمد الجيش السوري على معادلة "ضرب رأس الأفعى". وهنا يروي مطلعون أنّ الاستخبارات السورية نجحت في زرع خلايا لها بين المجموعات المسلحة في عدد من المناطق، مهمتهم تقديم معلومات عن تحركات قادة المجموعات بشكل أساسي. يتم الرصد والاستهداف ما يؤدي إلى انهيار المقاتلين معنوياً، كما حصل في يبرود وصولا الى فليطا. ويتحدث المطلعون أنفسهم عن مفاوضات جرت بين مخبرين للجيش السوري وقادة مجموعات لتقاضي أموال مقابل الانسحاب سريعا وترك الجبهات تنهار بسرعة.
بعد انتهاء الجيش السوري النظامي من معارك القلمون، ستعود الحياة إلى طبيعتها. ويُقال أنّ ألغاماً ستزرع على الحدود مع لبنان لمنع دخول المسلحين إلى الأراضي السورية. وتتحدث مصادر عن أنّ هذه المنطقة الحدودية ستصبح من المناطق الآمنة التي تحيط العاصمة السورية. سيتفرغ الجيش السوري لجبهات أخرى بعد تسليم أمن هذه المناطق للّجان الشعبية.
في حمص بإستثناء أحياء في المدينة القديمة وتلبيسا والرستن، تبدو الحياة في هذه المحافظة أفضل من معظم المناطق السورية الأخرى. الجيش السوري هو من يملك زمام المبادرة خصوصًا بعد استعادته لمنطقة قلعة الحصن. أمّا في حلب تتشكل مجموعات موالية للحكومة السورية وتحديدًاً لحزب "البعث" وتستعد للقتال على أكثر من جبهة. وتنتظر ساعة الصفر. وقد زوّدتها الحكومة السوريّة بعد تنظيمها بأسلحة حديثة، بما فيها صواريخ موجّهة وجاهزة للاستعمال في المعارك السورية.
في درعا الحدودية مع الأردن، وصلت رسائل الملك الأردني إلى الأميركيين يعترض فيها على أيّ تواجد متطرف على حدود بلاده. وهو يخشى امتدادها لاحقا الى المملكة الهاشمية. من هنا لا يمكن ان تكون الانطلاقة نحو تجديد المعارك من الحدود الجنوبية نحو دمشق. وقد تستوعب الجبهة مئات المقاتلين لكنها لن تكون منطلقاً ومسرحاً وارض نزاع مفتوح. رسائل الأردن وصلت الى الحكومة السورية في نفس الإطار أيضاً.
اما الحدود مع اسرائيل عبر الجولان المحتل فلن تخرج عن إطارها المحدود، بدليل التفجيرات التي أصابت الدوريات الاسرائيلية. وقد وصلت الرسالة مؤخراً بالنار الى تل أبيب تفيد بأن اللعب بالأوراق السورية يعني خلط الأوراق في قواعد الاشتباك على طول الحدود مع اسرائيل.
يبقى الشمال والشرق السوري مفتوحين على امتداد أرض العراق وتركيا. فالحكومة العراقية تقوم بأقصى جهودها لضبط حدودها، فيما تركيا تساعد المجموعات على المستويات كافة. وترى المصادر أن الخطر الحقيقي على سوريا في هذه الجبهة، ولذلك تبدو المعارك الاستراتيجية في هذه المساحة.
كانت الحكومة التركية ولا تزال تخطط للتدخل تحت عنوان حماية ضريح عثماني في الرقة. ودعمت انقره خطّ التدخّل وساهمت بوصول المسلحين الى كسب. ولذلك لن تقف الامور عند هذا الحدّ، لكن طهران وموسكو منعتا الحكومة السورية من "اي تهور" ضد تركيا، أقله بإنتظار الانتخابات التركية. وتعتقد الجمهورية الإيرانية ان تركيا لن تهاجم سوريا لأسباب عدة داخلية وخارجية.  ولا زالت ايران تراهن على حُسن علاقتها مع اردوغان. لكن انقره تخاف عملياً من التمدد الكردي على حدودها، وهذا ما يجعل امر تدخلها مباشرة وارداً لضرب الاكراد تحت حجة ملاحقة "القاعدة" في الرقة والحسكة.
لكن هل تتدخل طهران وموسكو في حال حصول أيّ هجوم تركي ضد سوريا؟
يبدو أنّ هناك صراعاً أبعد يترسخ على خط "الاخوان المسلمين" – السعودية، وتحديدا ما بين تركيا والمملكة العربية السعودية. يُقال ان الرياض لن تسمح للحكومة "الاردوغانية" بالتفرد او التمدد، وستكون بالمرصاد في وجه اي توسع "اخواني" المنشأ. هذا ما ساعد في دفع المفاوضات الإيرانية-السعودية الى الامام، قبل وصول الرئيس الأميركي باراك أوباما الى السعودية ببضعة ايام حيث كان السفير السعودي في طهران يجري لقاءات في الخارجية الإيرانية لرسم خطوط جديدة في العلاقات. فالرياض باتت تخشى من التمدد "الإخواني" الى اراضي المملكة، بعد الحصول على معلومات في هذا الشأن.  لذلك جاء الخلاف مع الدوحة حليفة انقره وحاضنة "الاخوان".
ورغم ما حُكي عن خلاف او فشل زيارة أوباما الى السعودية، لكن المعلومات تتحدث عن ان الرئيس الأميركي جاء لتنسيق المواقف مع الرياض انطلاقا من فتح صفحة جديدة مع ايران. والمشكلة تبقى فقط فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. ومن هنا حتى شهر أيلول يتضح المسار بعد معرفة آفاق التسوية المطروحة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فتلك المساحة الزمنية قابلة لاحتمالات شتّى في المنطقة الشمالية السورية. واليها كل الاستعدادات بصمت.

الالكترونية اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى