الكثير من المُخططات كانت توضع على طاولة النقاش الأمريكية والإسرائيلية والدولية وحتى العربية، للتعامل مع “اليوم التالي” لانتهاء الحرب الدامية على قطاع غزة والتي تقترب من يومها الـ180، ولكن جميعها كان محكومًا عليه بالفشل، ولم يرى طريق التوافق أو التنفيذ نظرًا لبعده كثيرًا عن أرض الواقع، واصطدامه بالكثير من العقبات.
لكن، ما بدأت أمريكا وإسرائيل الترويج له مؤخرًا كان بعيدًا عن كل هذه التوقعات ويفتح باب صدام خطير لا ينتهي بين الفلسطينيين والدول العربية، نظرًا لخطورة والتأثير المباشر وغير المباشر على تنفيذ هذا المخطط وإمكانية التعامل معه في قطاع غزة، في ظل الأوضاع المعقدة التي تمر بها المنطقة.
مخطط مُفاجئ وصادم لغزة بعد انتهاء الحرب..
“نشر قوات عربية مسلحة في غزة”، كان هذا أول وأغرب مقترح “أمريكي-إسرائيلي” يتم الترويج له، للتعامل مع قطاع غزة والسيطرة عليه بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية وتحقيق حلم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الكبير “في القضاء على حماس”، والذي لم يتحقق رغم مرو 6 أشهر على حربه في قطاع غزة.
وسائل إعلام إسرائيلية، كشفت لأول مرة، أن وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت، أحرز تقدما كبيرا هذا الأسبوع خلال زيارته لواشنطن من خلال الترويج لنشر قوات عربية في قطاع غزة.
وتحظى فكرة اسرائيل بدعم الولايات المتحدة، وستكون القوة مسؤولة عن فرض القانون والنظام في غزة وتأمين قوافل المساعدات.
– حلم إسرائيل
وقال مسؤول إسرائيلي إن “مثل هذه الخطوة ستبني هيئة حكم في المنطقة بدلا من “حماس” وستحل لإسرائيل مشكلة متنامية مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالوضع الإنساني في غزة، مشيرًا أن القوة العربية ستبقى في غزة لفترة انتقالية محدودة فقط وستكون مسؤولة عن تأمين الرصيف البحري المؤقت الذي ستبنيه الولايات المتحدة قبالة ساحل غزة ومرافقة قوافل المساعدات الإنسانية وتأمين وصولها إلى السكان.
وطلب غالانت من الولايات المتحدة التعاون من أجل الترويج لإنشاء هذه القوة المتعددة الجنسيات، وأكد للأمريكيين أن هذا يحتاج دعم سياسي ومادي وليس إرسال جنود أمريكيين إلى غزة، مشيرًا إلى أن كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي ناقشوا القضية في الأسابيع الأخيرة مع ممثلين عن ثلاث دول عربية، بما في ذلك مصر بحسب موقع واللا العبري.
وجاء هذا التقدم بعد زيارات قام بها أفراد من الجيش الإسرائيلي إلى الدول العربية. وقال المسؤول “هناك تقدم في الترويج لهذه المبادرة سواء من حيث استعداد الإدارة الأمريكية أو من حيث انفتاح الدول العربية على الفكرة”
بعد عودته من واشنطن، أطلع غالانت رئيس الوزراء نتنياهو وحكومة الحرب ورئيس الأركان على هذا الموضوع.
ومن المتوقع أن يعقد غالانت ومسؤولون كبار آخرون في وزارة الجيش الإسرائيلي محادثات لمتابعة هذه القضية مع الولايات المتحدة والدول العربية من أجل تعزيز المبادرة.
وقال مسؤول أميركي كبير إن وزير الخارجية الأميركي أجرى محادثات حول هذه القضية مع وزراء خارجية عدد من الدول العربية في القاهرة الأسبوع الماضي.
ووفقا له، فإن مصر هي الدولة الرئيسية التي تتعامل مع هذه الفكرة ولكن يتطلب إشراك السلطة الفلسطينية، مشيرًا إلى أن هذه فكرة “إبداعية”، لكن فرص الترويج لها على المدى القريب منخفضة نسبيا، ويرجع ذلك جزئيا إلى معارضة نتنياهو لتدخل السلطة الفلسطينية في غزة.
يذكر أن العديد من السيناريوهات كانت طرحت في الأروقة الدولية حول مرحلة ما بعد الحرب في غزة، من بينها عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم القطاع، مع تعديلات عليها أو تسليم الحكم لحكومة تكنوقراط، أو حتى إشراف مصري مع قوة سلام دولية لحفظ الأمن على الأرض، إلا أن أياً منها لم ينل نصيبه من التوافق الدولي والإقليمي بعد.
ووفق مراقبون، فإن هذا المخطط يعد الأخطر الذي يُحاك لقطاع غزة وسكانه، وكأنه احتلال جديد لغزة ولكن تحت قوة وسلاح عربي، فيما اعتبرت مصادر أخرى أن موافقة السلطة الفلسطينية على هذا المقترح خطوة في غاية الخطورة وتسهيل لاحتلال غزة ليس إسرائيليًا فقط، بل أمريكيًا وعربيًا، ويعد تعدي على السيادة الفلسطينية وتحقيق حلم إسرائيل الكبير بإنتهاء غزة بالكامل والقضاء على أي مظاهر مقاومة فيها.
– المخطط الأخطر
وفي السياق ذاته، ذكر موقع “بوليتيكو” أن البنتاغون يبحث إمكانية تمويل قوة تفتيش متعددة الجنسيات أو قوة تفتيش فلسطينية في قطاع غزة، مضيفًا أن الخطة تتمثل في أن تكون القوة مكونة من الدول العربية – التي تربطها علاقات بإسرائيل وستكون مسؤولة عن توزيع المساعدات الإنسانية وأمن الميناء الجديد.
وتابع أن “القوة العسكرية المسلحة التي من المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بتسليحها وتمويلها، لن تضم قوات سعودية أو قطرية”.
وأمس الجمعة، أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، على ضرورة استلام دولة فلسطين لقطاع غزة، كما هو الحال بالضفة الغربية.
من جانبه، اعتبر مسؤول عربي من إحدى الدول التي طُرحت عليها الفكرة، وفق موقع “أكسيوس”، أن غالانت على ما يبدو “أساء فهم الموقف العربي”، مضيفاً أن “الدول العربية ليست على استعداد لإرسال قوات لتأمين قوافل المساعدات في الوقت الحالي، لكنها قد تدرس إرسال قوات للمشاركة في قوة حفظ السلام بعد الحرب”.
وفي الآونة الأخيرة صدرت تصريحات من أطراف عربية رسمية ترفض التجاوب مع مطالب إسرائيلية بتولي المسؤولية المباشرة عن إعادة إعمار قطاع غزة وأمنه بعد الحرب، في مسعى لتهميش دور الأطراف الفلسطينية.
فقد أكد وزراء الخارجية العرب، في قرار اعتمدوه خلال أعمال الدورة 161 لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري الذي عقد بالقاهرة، في 7 مارس/ آذار الجاري، دعمهم “لتولي دولة فلسطين مسؤوليات الحكم في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، ضمن رؤية سياسية شاملة تستند إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتجسيد استقلال دولة فلسطين”.
وشدد القرار على “رفضه بشكل قاطع الخطط الإسرائيلية لما يُسمى باليوم التالي للحرب” الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وفي هذا الصدد أيضا، أدلى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بتصريح صحفي في وقت سابق قال فيه إن الأردن “لن يرسل أي قوات عسكرية إلى غزة، ولن يقبل استبدال جندي أردني بالجندي الإسرائيلي”.
ومرارا، أعلن نتنياهو رفضه أن تتولى السلطة الفلسطينية المسؤولية عن غزة بعد الحرب.
كما أكدت حركتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في فلسطين “رفض أي مشاريع سياسية أو خطوات تخلق وقائع جديدة في غزة بعيدة عن إرادة الشعب الفلسطيني”.
وفي هذا الصدد يقول رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية، أحمد عوض، إن وجود قوات سلام متعددة الجنسيات “سيُقابل بالرفض من كل الأطراف الفلسطينية”، مضيفًا “حماس سترفض، وأعتقد أن السلطة الفلسطينية سترفض أيضا، لأنها هي صاحبة الولاية على قطاع غزة، خصوصا بعدما شُكلت حكومة (تكنوقراط) من أجل تسهيل العودة إلى حكم القطاع”.
ويضيف: “هذه القوات لا تعرف قطاع غزة جيدا ولا طبيعة السكان، وستبدأ من جديد”، لافتا إلى أنها “ستكون عامل فوضى وليس لجلب الاستقرار، خصوصا أن الفلسطينيين لن يقبلوا أن يحكمهم غرباء، وقد ينظرون إليهم باعتبارهم محتلون جدد”.
ويتابع عوض: “الأمر ذاته فيما يتعلق بتشكيل قوات حفظ سلام فلسطينية بعيدا عن وجود مسار سياسي وإغاثي لإعادة الإعمار في القطاع. هذه المسألة قد تُثير الشكوك وتُشعر الفلسطينيين بالتوجس”، مشددًا على “ضرورة وجود قوات تابعة للسلطة الفلسطينية في غزة، في إطار خطط التسوية”، قائلا إن “أجهزة أمنية في الضفة الغربية، قادرة على قيادة الحكم في القطاع”.
ويبقى التساؤل هنا..
إلى أين ستقود هذه الخطوة في حال نُفذت؟ وماذا بعدها؟ وماذا عن موقف السلطة الفلسطينية؟
صحيفة رأي اليوم الألكترونية