مخطوطات البحر الميت.. تاريخ مجهول
مخطوطات البحر الميت.. هي مجموعة من لفائف الصحائف التي عُثر عليها في مغارات وكهوف المنطقة الشمالية الغربية من البحر الميت، وتُسمّى بمخطوطات الكتاب المقدس. وقد كانت محفوظة في جرار فخارية مطلية بالنحاس المذهب. وأول مَنْ عثر عليها راعي من بدو التعامرة بالأردن، واكتشف عنها المزيد بين عامي 1947 و1956، داخل 11 كهفاً في وداي قمران، ووصل عددها إلى أكثر من 850 لفافة أو مخطوطة.
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية قام أحد الرعاة الأردنيين برمي حجر صغير في أحد الثقوب بتل في الشمال الغربي للبحر الميت، فسمع صوت تحطّم آنية فخارية، وعندما دخل شاهد العديد من الأواني الفخارية التي تحتوي على مخطوطات جلدية ملفوفة في قماش من الكتان. وبعد مرور الوقت ظهرت هذه المخطوطات عند أحد تجار الأنتيكات في بيت لحم يُدعى باسم كاندو، وقد قام رئيس دير سان مارك للكاثوليك السوريين، ويُدعى مار أثناسيوس صموئيل بشراء أربع مخطوطات. بينما اشترى أليعازر سوكينوك الثلاث الباقية للجامعة العبرية بالقدس، وبذلك أصبحت المخطوطات السبع الأولى في حوزة الجامعة العبرية الإسرائيلية.
وتتبع بعض مخطوطات البحر الميت طائفة يهودية تُسمّى طائفة الأسنيون، والتي انعزلت عن بقية الطوائف اليهودية الأخرى الموجودة حول العالم، قبل انتهاء الديانة اليهودية التي أقامها كهنة معبد القدس، فقامت ببناء مدينة صغيرة في ذلك المكان، ولكنها لم تصمد كثيراً أمام زلزال عام 31 ق. م، وأُعيد بناء الموقع مرة أخرى لكن قام الرومان بحرقه عام 68، وكان أصحاب هذه الملة أو الديانة لم يعيشوا في الأبنية، ولجأوا إلى الكهوف وفي أكواخ أو خيام مصنوعة من الجلود أو الطين.
وأثارت مخطوطات البحر الميت اهتمام الباحثين والمتخصصين بدراسة نص العهد القديم، التي تتكوّن من مخطوطات آرامية وعبرية قديمة تعود إلى القرنين الأول والثاني قبل الميلاد، كما عُثر على بعض الكتب الأخرى لأسفار العهد القديم تفيد في التعرّف على أحداث التاريخ القديم لفلسطين، ولم يتبق منها حتى الآن إلا قصاصات صغيرة، وقد تمّ اكتشافها داخل بعض الكهوف التي توجد بالقرب من البحر الميت.
وبعد إعلان الهدنة العربية الإسرائيلية عام 1949 أصبحت قمران تحت سيّطرة الأردن، وبدأت في البحث عن المخطوطات وانتهت باكتشاف مجموعة من بعض الكهوف. وفي عام 1963 اكتشف عرب التعامرة مخطوطات أخرى في مغارة أبو سنجة الواقعة في وادي الدالية.
وفي ثمانينيات القرن الماضي ظهرت بعض اللفافات من مخطوطات البحر الميت، ومن أهمها نص يُسمّى “لفيفة الملاك”. وفي العقد الرابع من القرن الجاري تمّ اكتشاف 4 لفافات أخرى ولكن اشترتها سلطة الآثار الإسرائيلية، واستمر البحث بعد ذلك حتى وصل عدد النصوص التي اكتشفت في قمران وحدها إلى نحو 850 لفيفة، لم تشتمل إلا على 9 نصوص بحالة جيدة، والمخطوطات التي كانت تكتشف تحت إشراف الحكومة الأردنية تمّ حفظها في متحف الآثار الفلسطيني بالقدس للدراسة، عدا بعض منها ظل محفوظاً في متحف الآثار الأردني بعمان، و8 مخطوطات أخرى موجودة في متحف إسرائيل.
وفي أعقاب حرب يونيو/حزيران 1967 وهزيمة الجيوش العربية استولت إسرائيل على متحف الآثار الفلسطيني وما فيه من مخطوطات البحر الميت، وتمّ تكوين فريق دولي يضمّ خبراء إسرائيليين للترويج لمخطوطات البحر الميت، وبدأت الأوساط العلمية في العالم تعترض على استئثار الفريق الدولي والإسرائيليين بحقوق النشر، فضلاً عن اقتصار العضوية بالفريق على المسيحيين الكاثوليك، كما اتهمت جمعيات علمية الفريق العلمي وإسرائيل بإخفاء معلومات عن المسيحية واليهودية لا يريدون كشفها ولا يرغبون في طرحها على العالم.
وفي نهاية الثمانينيات عيّن الإسرائيليون إيمانويل طوف على رأس الفريق الدولي، فزاد عدد العاملين بالفريق إلى 55 باحثاً، وبالتعاون مع بعض رؤساء تحرير الجرائد الإسرائيلية تمّ نشر بعض هذه المخطوطات، فضلاً عن تسريب 1800 صورة لمخطوطات أخرى غير منشورة، ومع الوقت أظهرت دائرة الآثار الإسرائيلية ما لديها من مخطوطات، وقامت بنشر عدد كبير من المخطوطات في بعض مجلات الأردن.
ويقول د. مصطفى زهران، الخبير الأثري: إن نصوص العهد القديم التي تمّ اكتشافها تمثّل ربع مخطوطات البحر الميت، ومن أمثلتها كتاب اليوبيلات وكتاب سفر أخنوخ الأول، وعهد لاوي الآرامي، بالإضافة إلى نصوص أخرى تتضمّن التصوّرات العقائدية للجماعات التي سكنت في قمران، مثل نص باسم “قانون الجماعة” وآخر باسم (لفيفة الحرب)، ونص ثالث يخالف مضمونه النصوص السابقة وهو كتاب (اللفيفة النحاسية)، حيث يحتوي على أسماء مواقع تمّ إخفاء الكنوز فيها.
ويتابع: على الرغم من تجسيد المخطوطات للتوجهات الدينية، إلا أنها تتضمّن معلومات كثيرة عن القيم الاجتماعية والعلاقات الاقتصادية والسياسية، نتيجة لتحوّل الاهتمام من مجالي التاريخ والآثار إلى الاهتمام بالاقتصاد والسياسة في ذلك الوقت.
ويؤكد أن مخطوطات البحر الميت لم تكن مؤرخة، حيث لا تتضمّن إشارات واضحة عن أشخاص أو أحداث تاريخية بعينها، لذلك اعتمد بعض الباحثين على وسائل متعدّدة في تأريخ تلك المخطوطات مثل الخط، فتمّ تأريخها وفقاً لتطوّر الخط، خلال الفترة من أوائل القرن الثالث قبل الميلاد وحتى عام 70.
أما وسيلة التأريخ الأخرى فتعتمد على إرجاع المخطوطات إلى الفترة التي خبأها كاتبوها في كهوف قمران، عندما فرّوا إليها هرباً من الجيش الروماني بعد الثورة اليهودية الأولى في فلسطين التي بدأت عام 66، وقد كُتبت نصوص العهد القديم من تلك المخطوطات على الرق، بينما كُتبت النصوص الاقتصادية على ورق البردي.
من وكالة الصحافة العربية
ميدل ايست أونلاين