مخطّط لتقييد أرباح روسيا من النفط: قادة «السبع» يستنفدون أوراقهم
مخطّط لتقييد أرباح روسيا من النفط: قادة «السبع» يستنفدون أوراقهم.. بعد اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل قبل عطلة نهاية الأسبوع الماضي، تلاقى قادة نادي الدول الغربية السبع الكبرى (الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا واليابان)، يومَي الأحد والإثنين، في قلعة تاريخية في قلْب إقليم بافاريا الألماني، بحضور رئيسة المفوّضية الأوروبية، فيما بدأ قادة عالميون بالتقاطر إلى العاصمة الإسبانية مدريد لحضور ما يوصف بأنه الاجتماع «الأكثر أهمية» لـ«حلف شمال الأطلسي» (الناتو) منذ سنوات. وغلبت اللحظة الأوكرانية بأبعادها المختلفة على أجندات كلّ هذه القمم المحمومة، لكنها بمجموعها عكست توتراً عامّاً لدى المعسكر الغربي بشأن الإشارات المتعاقبة حول تراجع هيمنته على الشأن العالمي، في مقابل صعود محور موسكو – بكين بامتداداته نحو بلاد الجنوب.
في قمّة بافاريا، حاول القادة المجتمعون (وهم يسيطرون على 50% من ثروة العالم ويمثّلون 10% فقط من سكّانه) إظهار تماسكهم في مواجهة روسيا، وصلابة دعمهم لنظام كييف. لكنّ التصريحات العالية السقف – وحتى السخرية من شخص الرئيس فلاديمير بوتين – التي صدرت عن الحاضرين، إنّما تنمّ، في وجه من وجوهها، عن ضعف أوراق الغرب في هذا الصراع، وربّما وجود قناعة – لدى بعض الأطراف على الأقلّ – بالعجز عن إنقاذ أوكرانيا بشكلها الحالي، إذ على رغم الخطاب التجييشي لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وتعهّدات الرئيس الأميركي جو بايدن، كما رئيسة المفوّضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بمواصلة العمل على تقليل اعتماد العالم على إمدادات الطاقة الروسية من الفحم والنفط والغاز الطبيعي المسال، سعياً للضغط على الكرملين ومحاولة تقليص مصادر تمويل العملية العسكرية الروسية، إلّا أن ما تمخّض عنه كلّ ذلك الصخب لم يعْدُ حدود خطّة «نظرية» أميركية للتلاعب بسعر النفط – أكبر سوق للسلع الأساسية في العالم -، من شأنها أن تسمح لروسيا بمواصلة بيعه، مع محاولة الحدّ من هوامش الربح لديها. وعلى رغم التوافق المبدئي حول الخطّة (في ظلّ تحفُّظ فرنسا التي أرادت سقفاً عالمياً لكلّ النفط لا الروسي فحسب، وتشاؤم ألمانيا التي وجدتها طموحة وصعبة التنفيذ)، إلّا أن مراقبين اعتبروها اعترافاً مبطناً بفشل الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة وحلفاؤها على صادرات موسكو من الطاقة، والذي أدّى إلى ارتفاعات حادّة في أسعار البنزين والمحروقات الأخرى، على نحو أثار ردّات فعل سلبيّة شديدة من قِبَل المستهلكين في الولايات المتحدة وأوروبا. وبحسب المعطيات، فإن الخطّة العتيدة لن تكتمل قبل عدّة أسابيع؛ إذ إنها ستتطلّب مفاوضات مكثّفة من قِبَل وزراء مالية «السبع» مع الشركات الخاصة وقادة دول في أميركا اللاتينية وأفريقيا والهند ودول أخرى تشتري النفط الروسي، فيما ليست ثمّة ضمانات بنجاحها.
وبينما كان قادة أكبر الاقتصادات في العالم يُعلِنون أنهم «لن يعترفوا بمحاولات روسيا المستمرّة لإعادة رسم الحدود بالقوّة»، فإن بياناً صادراً عن القمّة أكد أن الغرب «ملتزم بمساعدة أوكرانيا للحفاظ على سيادتها وسلامة أراضيها والدفاع عن نفسها واختيار مستقبلها، لكنّ الأمر يظلّ متروكاً لأوكرانيا لاتّخاذ قرار بشأن تسوية سلمية مستقبلية خالية من الضغوط أو النفوذ الخارجي»، في ما اعتبره محلّلون بمثابة إبقاءٍ لخطّ رجْعة، نحو دعم تسوية على قاعدة «رابح – خاسر» بين موسكو وكييف، سعياً لتجنُّب تفاقم الصراع وامتداده إلى جبهات أخرى. وكان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قد تحدّث مع الزعماء المجتمعين عبر تقنية الفيديو، وحثّهم على تزويد بلاده بأنظمة دفاع صاروخي متطوّرة ومساعدات أخرى إضافية. كما طلب زيلينسكي مساعدات مالية أكبر، ودعا إلى فرض عقوبات إضافية على روسيا التي تسيطر قواتها الآن على أجزاء مهمّة شرقيّ البلاد وجنوبيّها. وردّاً على ذلك، قال مستشار للرئيس الأميركي حضر القمّة، إن واشنطن تستعدّ لتلبية طلب الرئيس الأوكراني بشأن أنظمة الدفاع الجوي، وتعمل أيضاً مع الحلفاء الغربيين لإرسال مزيد من الأسلحة والأموال. وأضاف جيك سوليفان، في حديث إلى الصحافيين، أن بايدن أبلغ زيلينسكي عزم الإدارة الأميركية وضع اللمسات الأخيرة على حزمة تشمل قدرات دفاع جوّي متقدّمة متوسّطة وطويلة المدى، إضافة إلى بعض البنود الأخرى التي تشتدّ الحاجة إليها مِن مِثل ذخيرة المدفعية وأنظمة الرادار.
وظهرت في اليوم الثاني بوادر خلاف علني بين لندن وواشنطن حول خطّة اقترحها جونسون لإعادة استخدام الأراضي المخصَّصة حالياً لمحاصيل الوقود الحيوي، في زراعة المزيد من الغذاء. وتلْحظ الخطّة التي تدعمها ألمانيا، التقليل من استخدام الوقود الأخضر بهدف تخفيف الارتفاعات المستمرّة في أسعار المواد الغذائية، والتي فاقمتها انعكاسات الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، مُهدِّدةً على المدى المنظور الأمن الغذائي العالمي، ولا سيّما في الدول الفقيرة. لكنّ الأميركيين – ومعهم الكنديون – عارضوا ذلك المقترح، في محاولة لحماية المزارعين الأميركيين وتجنّب انهيار الالتزامات المناخية التي تمّ التوصّل إليها عبر العقود، معتبرين أن خطّة جونسون قد تؤدّي إلى ارتفاع أسعار الوقود. والولايات المتحدة هي أكبر منتج في العالم للإيثانول المستخدَم كوقود للنقل، وواحد من أكبر منتجي وقود الديزل الحيوي. وفي نيسان الماضي، أعلن بايدن خطّة لتوسيع استخدام الإيثانول خلال الصيف الحالي لأن «الوقود الحيوي له دور يلعبه في هذه المرحلة». ويعتقد فريق بايدن أن الحفاظ على دعم المحاصيل الحيوية يمكن أن يساعد الحزب الديموقراطي في الحفاظ على تأييد المناطق الريفية الأميركية مع اقتراب انتخابات نصفية صعبة للحزب، في تشرين الثاني المقبل. ومن الجليّ أنه من دون دعم أميركي صريح، فإن أيّ خطط يقدّمها الفرقاء الأوروبيون ستكون بلا قيمة عملية، وهو ممّا حدا بجونسون إلى التغيّب عن لقاء تحضيري بشأن بند البُنية التحية العالمية أداره بايدن، على رغم أن مكتب رئاسة الوزراء في لندن نفى وجود خلافات عميقة بين الزعيمَين جرّاء تباين آرائهما حول مسألة الوقود الحيوي هذه.
على أن إسقاط خطّة جونسون، شكّل إشارة واضحة إلى تقلّص مساحة الفعل لدى نادي الدول الغربية في مواجهة روسيا، كما محدوديّة الخيارات لديه إزاء انعكاسات العقوبات والحصار الاقتصادي على موسكو. وممّا يفاقم هذه المعضلة أن الزعماء الحاضرين – بلا استثناء تقريباً – يمرّون بحالة من الضعف السياسي داخلياً: جونسون (بريطانيا) بالكاد يحافظ على تأييد أغلبية بسيطة من حزبه، وإيمانويل ماكرون (فرنسا) بلا أغلبية تدعمه في البرلمان، وأولاف شولتز (ألمانيا) معلّق بائتلاف هزيل، وماريو دراجي (إيطاليا) يواجه تحدّيات كبيرة من اليمين ولا سيّما بعد الانتخابات البلدية الأخيرة هناك، كما تراجعت شعبيّة بايدن بشدّة ويتّجه إلى فقدان الأغلبية في الكونغرس في النصفيات المقبلة. والجدير ذكره، هنا، أنه حضر قمّةَ بافاريا أيضاً عددٌ من قادة العالم، بمن فيهم الرئيس السنغالي ماكي سال الذي يمثّل الاتحاد الأفريقي، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا، ورئيس الأرجنتين ألبيرتو فرنانديز، كما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (افتراضياً)، ورؤساء «البنك الدولي» و«صندوق النقد الدولي» و«منظّمة التجارة العالمية» و«منظّمة التعاون والتنمية». ويبذل الغرب جهوداً استثنائية لتوريط بقيّة العالم معه في الصراع الأميركي – الروسي، لكنّ حكومات شعوب الجنوب تبدو إلى الآن غير متحمّسة لمعاداة موسكو من أجل نظام زيلينسكي، علماً أنه من دون دول مِن مِثل الصين والهند وفنزويلا وإيران والأرجنتين وأندونيسيا، فإن جدار الحصار الاقتصادي لن يكتمل أبداً.
وعلى الرغم من أن روسيا بقيت موضوع المناقشات والتصريحات طوال مدّة انعقاد القمّة، إلّا أن الأميركيين استغلّوا المناسبة ومرّروا اتفاقاً لاستثمار مشترك قيمته 600 مليار دولار في البنية التحتية للاقتصادات الناشئة، وذلك لمنافسة التمدّد الصيني في أفريقيا وأميركا اللاتينية. ويُجيز هذا القرار التوقُّعَ بأن قمّة الدول الكبرى العشرين التي ستُعقد في تشرين الثاني المقبل (بحضور روسيا والصين) ستكون بمثابة إعلان رسمي عن انقسام العالم إلى فسطاطَين متعاديَين، وتشريع الباب أمام تفاقم أزمة الرأسمالية إلى مستويات لم تشهدها من قَبل.
أبرز ما خلصت إليه قمّة بافاريا
– التأكيد على دعم أوكرانيا، والاستمرار في فرض أقسى العقوبات الاقتصادية على (نظام الرئيس بوتين).
– تعظيم الجهود للتقليل من الآثار السلبية للحرب (العدوانية) الروسية ضدّ أوكرانيا، سواءً على المستوى الإقليمي أو العالمي، بما في ذلك حماية اللاجئين.
– التدخّل بفاعلية لتحقيق الأمن العالمي في ما يتعلّق بالطاقة والغذاء، والتخفيف من آثار الركود الاقتصادي.
– الالتزام بمنع روسيا من الاستفادة من قوتها في مجال الطاقة عبر تنفيذ خطط لتقليل الاعتماد على الإمدادات الروسية من النفط والغاز والفحم، وفرض سقوف على الأسعار دون المساس بأهدافنا البيئية والمناخية.
– ملاحقة الإنتاج النفطي الروسي في كافة مراحله، والسماح بشرائه والتأمين على نقله تحت سقف سعري يتمّ التوافق عليه.
– دعوة منتجي النفط للتعاون خلال هذه المرحلة، مع التعهّد بدعم المستهلكين للتمكّن من تحقيق استقرار أسواق الطاقة.
– دعم الإنتاج الزراعي في دول المجموعة وشبكات التزويد لرفع مستويات الأمن الغذائي.
– الاستثمار في تطوير البنية التحية العالمية ودعم الشركاء الأفريقيين في جهود التنمية.
– حثّ الصين على الالتزام بتعهّداتها والتعاون في مواجهة الاستحقاقات العالمية، والإعراب عن القلق من سجلّها لحقوق الإنسان.