مخيّم الحب
هل كان كاذباً ولعوباً ذلك الشاب الذي قصد المتجر الأحمر عشية عيد العشّاق، اقتنى أربعة عشر “دبدوباً ” ثمّ طلب من البائع أن يخطّ على كلّ واحد منها عبارة ” يا حبّي الوحيد”.
هل كان منافقاً ومحتالاً ذلك الزوج الذي دأب على مناداة امرأته بعبارة “حبّي ” أمام انبهار ضيوفه في كل مرّة يطلب منها إحضار شيئ من المطبخ …وحين سئل عن سرّ هذا الحب الذي لا يصدأ وقد مرّت سنين طويلة من الزواج، أجاب ” الصراحة ـ وببساطة شديدة ـ هو أنّي نسيت اسمها “.
هل أجبنا عن تساؤل فيروز الذي ظلّ معلّقاً في أغنيتها الطفوليّة ” يمكن الحب بيقتل الوقت ويمكن الوقت بيقتل الحب ” ..أم لم نهتد بعد إلى المعادلة الأجدر والأبقى وهي أنّ المحبّة والزمان خطّان متوازيان مثل سكّة تسيّر قطار العمر وتجعل الرحلة أقلّ عناءً و أكثر بهجة وإشراقا .
…ولأنّ الحب ثقافة فإنّ إنسان الحضارات الراقية يكتفي في حياته بشريك يغنيه عن سواه، بل ويختصر كلّ بني جنسه، بعيداً عن النزوات العابرة، لكنّ المجتمعات التي ترزح تحت سلطة الغريزة فإنّ هوس الإشباع لديها هو الغالب عبر الكثرة والتنقّل ممّا يعكس بالتأكيد قلقاً وغربةً وفقراً روحيّاً واضحاً.
هذا عن النمط المجتمعي السائد في العلاقات بين الجنسين، أمّا عن الحب بمفهومه الأوسع ودرجاته الأكثر دقّة وتشعّباً في بعديه الأفقي والعمودي فهو بلا شكّ مرآة العمق الحضاري أو عدمه في أي مجموعة بشرية .
الحب إذن، عقد اجتماعي ووجوديّ يبرم بين الإنسان ونفسه ومع من حوله بحبر خفيّ، لكنه ليس سريّاً ولا مستحيلاً، وذلك لاستمرار الحياة التي هي الغاية الأولى والأخيرة .
إذا كان الناس في كلّ زمان ومكان يتبادلون ويلوكون بإحباط شديد عبارة “الحب صار مصلحة “، فإنهم قد غفلوا وتناسوا أنّ المصلحة المطلقة في الحب تكمن في تجنّب المصلحة الضيقة …وأنّ الحيلة في ترك الحيل .
وحده الحب يجعل ذلك الشاب “الدونجواني ” لا يهدر ماله في شراء أربعة عشر “دبدوباً ” ..أو ربما قد يشتريها كلها لحبيبة واحدة …بل لماذا يبحث عن مناسبة أصلاً !..؟.
وحده الحب يجعل طعم كلمة “حبّي ” لدى الزوج ” النسّاء” عذبة المذاق وكأنها تنطق لأوّل مرّة …وربما يقولها دون أن يتفوّه بها …ودون أن يستغرب ضيوفه ذلك .
وحده الحب يجعل الطريق سالكة وآمنة، وحده “مخيّم الحب ” يجعل السكن والطعام والشراب والكساء والتعليم متوفّرا ويكفي للجميع……. فيغنينا عندئذ عن كل المنظمات الدولية ووكالات الغوث والتوطين والتشغيل .