مدحت العدل ينبش تاريخ يهود مصر
من الملفات الشائكة التي يتفاداها الإعلام المصري، أو لا يقاربها إلا بصورة حذرة، ملف تاريخ اليهود في مصر، خصوصاً أن الصورة الذهنية الثابتة منذ نهاية الخمسينيات عنهم، صورة سلبية، قائمة على اتهامهم في الأغلب بالخيانة والعمالة، والربط المباشر بينهم، وبين الكيان الناشئ في نهاية الأربعينيات.
قرّر مدحت العدل، السيناريست والمنتج، فتح الملف من خلال مسلسل يحمل اسم «حارة اليهود»، ينتظر أن يُعرض في موسم رمضان 2015.
الحارة التي أعطت اسمها عنواناً للمسلسل، كانت تشكّل الغيتو اليهودي في قلب القاهرة، قريباً من مسجد الحسين والجامع الأزهر، حيث عاشوا مختلطين بمسلمين ومسيحيين. شهدت تلك الحارة نشأة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، ما يلقي بعلامة استفهام حول اختيار هذا التوقيت للحديث عن ذاك المكان.
بطبيعة الحال ينتج المسلسل جمال العدل، من خلال شركة «العدل غروب»، ويُخرجه محمد جمال العدل نجل المنتج، ويلعب دور البطولة الممثل الأردني إياد نصار الذي حل محلّ هاني سلامة في اللحظات الأخيرة، وتشاركه الممثلة المصريّة منّة شلبي التي وقّعت بعد تردّد ناتج عن الاختيار بين أكثر من عمل.
لن يتناول المسلسل تاريخ اليهود كاملاً في مصر، ولا حتى تاريخ منطقة «حارة اليهود»، وإنما سيتناول شريحة زمنية هي الأخطر، تدور بين العامين 1953 و1956 (عام العدوان الثلاثي على مصر، والذي اشترك فيه الكيان الصهيوني مع إنكلترا وفرنسا في الاعتداء على مصر عقب تأميم قناة السويس).
اختيار هذه السنوات جاء نتيجة لازدحامها بالأحداث التي يمكن أن تولد دراما، وترصد ما يدعم المشاعر المتناقضة تجاه يهود مصر في تلك المرحلة. فـعلى المستوى الاجتماعي عاش المصريون فترات طويلة، مسلمين ومسيحيين ويهوداً، في حالة تعايش يسودها السلم غالباً، والتنغيص أحياناً، ممّا حدا بكثير من الفنانين إلى تقديم أعمال تؤكّد الوحدة بين أصحاب الأديان الثلاثة، بداية من سيد درويش، وليس نهاية بأفلام من نوعية «حسن ومرقص وكوهين»، و«فاطمة وماريكا وراشيل»، و«لعبة الست».
ومن الناحية الاقتصادية، كان التجار اليهود يسيطرون على جزء كبير من السوق المصرية، وكانت أشهر المحلات في القاهرة ملكاً ليهود، وتحمل أسماء يهودية، منها «بنزايون» (وتعني بني صهيون)، وشملا وريفولي وعدس وغيرها من المحلات التي كان المصريون يتبضعون منها لعقود طويلة.
على الجانب المقابل، شهدت تلك الفترة حادثاً ضخماً، مشهوراً باسم «قضية لافون»، أو العملية سوزانا، حيث تم إلقاء القبض على عدد من اليهود يقومون بأعمال تخريبية، وتفجير قنابل، وذلك في عهد وزير الدفاع الصهيوني بنحاس لافون. وقد جرت محاكمات علنية لأعضاء التنظيم، وأصدرت المحكمة العسكرية وقتها حكماً بالإعدام لاثنين من قيادات التنظيم (أعلنتهم حكومة تل أبيب شهيدين)، إضافةً لأحكام بالسجن لمدد مختلفة لعدد آخر، حتى أن آيزنهاور تدخل بنفسه للمطالبة بالإفراج عن السجناء، وهو الطلب الذي قوبل بالرفض.
ورغم أن المسلسل هو قصة من تأليف العدل إلا أنه يعتمد في الأجزاء التاريخية على كتابات الدكتور عبد الوهاب المسيري، أشهر مَن كتب في ملف اليهود والصهيونيّة، خصوصاً موسوعته الشهيرة «موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية: رؤية نقدية» (1975).. ولن يلجأ الكاتب لأعمال أدبيّة في هذا الصدد، بما في ذلك رواية «حارة اليهود» للكاتب كامل الكيلاني.
ولما كان من المستحيل تصوير المسلسل في أماكنه الطبيعية، نظراً لوقوع المنطقة في وسط المدينة، بل في أكثر مناطق وسط المدينة ازدحاماً، لكونها منطقة تجارية، تقوم الشركة المنتجة ببناء ديكور كامل للحارة التي تجري فيها الأحداث، وهو الديكور الذي يستغرق بناؤه ستة أشهر كاملة.
صحيفة السفير اللبنانية