مذاهب الإسلام.. والصوفية روح التعايش

في الإسلام مذاهبٌ ومناهج، ومن المعروف أن المذاهب هي تلك التي تبحث في نواقض الوضوء، وأركان الصلاة، ومقدار الزكاة، وأنصبة الميراث.. إلخ، أما المناهج أو القراءات فهي تلك التي تبحث في أفق مختلف عن العبادات والمعاملات وتعنى بفلسفة الحياة، والغاية من الخلق، ولماذا نحن موجودون؟ وماذا علينا أن نفعل؟

فهناك إذن قراءة سلفية للإسلام، وأخرى حركية، وثالثة ثورية، ورابعة جهادية، وخامسة صوفية، وقد تتداخل هذه المناهج مع المذاهب، كالخمينية الشيعية والإخوانية السُّنية، إذ الجماعتان ذواتا منهج واحد، وهكذا بالنسبة للأخباريين الشيعة الذين يقدمون الرواية على الدراية، والسلفيين السُّنة الذين يقدمون النقل على العقل، وكذلك بالنسبة للتصوّف الذي يفتح أبوابه أمام أتباع مختلف المذاهب.

ومن سوء حظ بعض هذه المناهج أن العالم لم يعد يتحملها بعد أن تسبّبت في إراقة الدماء، وهكذا أيضاً بالنسبة للكثير من المسلمين، بلغت قلوبهم الحناجر وهم يرون حصاد هذه المناهج، من تفريق بينهم بالطائفية والتحزّب، ومعاداة لأمم الأرض باسمهم وتحت راية دينهم.

أما التصوّف الذي كان يخسر فيما مضى مساحات لمصلحة غيره، فقد أثبت أنه يؤمن بالاختلاف ولديه القابلية للتعايش، ويعرف المسلمون قبل غيرهم أنه لم يرفع الشعارات الطائفية يوماً، ولم يعادِ أحداً رغم أنه تعرض طويلاً لرشقات «التكفير» وحملات الإخراج من الملّة.

ومع هذا، يبدو أنه يثقل على بعضهم الإقرار بأن التصوّف قد يكون المخرج أمام المسلمين ليكونوا جزءاً من هذا العالم، وحجتهم -بعد أن لم تعد بأيديهم أية حجة- أن الصوفية ينشرون الخرافات، وأن ممارساتهم ضد العقلانية التي نحتاجها لنتقدم بين الأمم.

وأول ما قد يقال هنا هو أن التصوّف كمنهج يحثّ الإنسان على معرفة نفسه، وإصلاح ما في قلبه، ويدعو إلى حبِّ الخالق، وحبِّ مخلوقاته، ليس مسؤولاً عن ممارسات الصوفية، وهي الحجة نفسها التي نستخدمها عند نفي مسؤولية الإسلام عن سلوك المنتسبين إليه.

كما أن الكثير من «خرافات» الصوفية يمكن الاستدلال من التراث على مشروعيتها، هذا فضلاً عن كون بقية المناهج ليست مبرّأة أيضاً من الخرافة ليصبح أبناؤها فجأة دعاة للتنوير، يكفي أن لديها خرافة إعادة الخلافة، وخرافة «الطائفة المنصورة»، وهي خرافات تولّد في نفوس أصحابها التعصّب والتعالي والتحفّز لتدمير الأرض بمن عليها.

أما العالم الذي أصبح ينظر للمسلمين بعين الريبة، فليس لأن الصوفية يزورون الأضرحة ويتمسّحون بها، أو لأنهم يحضرون مجالس الذكر، أو لأنهم يحتلفون بالموالد ويتغنون بالمدائح، وإنما مشكلة العالم مع الإرهاب الديني، ولم يقل أحدٌ إن هذا الإرهاب ذو نبتةٍ صوفية.

أما القول إن ممارسات الصوفية تحول بين المسلمين والتقدم، فقد تقدم الهنود علينا رغم أن غالبيتهم يقدسون البقرة التي تسير في الشارع، واعتقاد كثير من الأميركيين بوجود الأطباق الطائرة والأشباح وتعافي المرضى على يد القساوسة لم يشكّل عائقاً أمام تلك الأمة لتتربع على عرش التقدم.

وحاصل الأمر أن بعض هؤلاء يصعب عليه تقبّل فكرة أن المنهج الذي آمن به يوماً قد أصبح مشكلة مستعصية، وبعضهم يعادي من باب معاداة الإنسان ما يجهل، وبعضهم الثالث يصدق فيهم المثل القائل: لم يجدوا في الورد عيباً قالوا يا أحمر الخدّين.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى