مركز أبحاث الأمن القوميّ: الهجوم الصاروخيّ الإيرانيّ على إسرائيل يُعتبر وجوديًا لقُدرته على شلّ الأنظمة الدفاعيّة وضرب الأهداف الإستراتيجيّة والحساسّة و”الكيان لن يعود لوحده للعصر الحجريّ”

 

بات واضحًا وجليًّا أنّ القلق المتنامي حدّ الهوس إسرائيليًا يرتبط بقدرة أعدائها على إطلاق الصواريخ الدقيقة، والتي يُعتبر إطلاق بعضها أكثر فاعليةً من إطلاق عشرات بل ربما مئات الصواريخ غير الدقيقة أوْ العادية، ما يمكن من حرمان الكيان من “صورة النصر” التي يريد كسبها في كلّ حربٍ، بسبب ما يمكن أنْ يلحق من ضرر بالمواقع الإستراتيجية أوْ الرموز الحكوميّة في الدولة العبريّة.

وفي دراسةٍ جديدةٍ، مُطوّلةٍ وموسّعةٍ، أصدرها الباحث أودي ديكل، من مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابِع لجامعة تل أبيب، والذي يُعتبر أهّم مراكز الأبحاث في إسرائيل وأكثرها تأثيرًا على صُنّاع القرار فيها، رأى ديكل  أنّ هجومًا صاروخيًا كبيرًا، يعتبر أحد أهم التهديدات الوجودية التي تواجهه، حيث ينصّب القلق على قدرة هجمة صاروخية مكثفة على ضرب مواقع الارتكاز الإستراتيجية في العمق الإسرائيليّ، من أهداف مدنية وعسكرية، مُشيرًا في الوقت عينه إلى أنّ هذا التهديد يعتبر واقعيًا وملموسًا، وهو موضوع الحرب بين الحروب التي شنها الكيان على مدار العقد المنتهي ما وضع أمام إسرائيل بمستوياتها المختلفة تحدّي وضع مفهوم حماية شاملة ينبغي أنْ توفر استجابة دائمة ومستمرة ضد أي تهديد، تكتيكيًا واستراتيجيًا، كما قال الباحث في كتيبٍ أصدره، وهو عبارة عن دراسةٍ إستراتيجيّةٍ حول التهديدات الإستراتيجيّة، لا بلْ الوجوديّة، التي تُحدّق بالدولة العبريّة.

ومن الأهمية بمكان التشديد على أنّ الدراسة عينها ترى أنّ هذا السيناريو يُفضي إلى توازن رعب جديد وستكون له عواقب وخيمة على استمرارية الوظيفة العسكرية الإسرائيلية في القتال، سواء لقوتها الاقتصادية والشعور بالأمن والمرونة الاجتماعيّة.

بالإضافة إلى ذلك، تُشدّد الدراسة على أنّ الكيان يدرك حجم التحول في قدرات أعدائه في القدرة التكنولوجية والعسكرية، حيث تم في إيران وسوريا ولدى حلفائهما العراقيين واللبنانيين والفلسطينيين، تم تطوير أنظمة غير دقيقة للصواريخ والقذائف ودخلت حيز التشغيل أيضًا عملية استخدام قدرات تكنولوجية متعاظمة تساعد على تحسين دقة الأسلحة، على حدّ تعبير الدراسة.

ويرى البحث أيضًا أنّ عمليتان كانتا وراء هذا التسارع: الأولى هي وجود تكنولوجيا متقدمة، ومتاحة ويمكن الوصل إليها بسهولة، كونها غير مكلفة وتمكن من زرع دقة متقدمة في مجموعة واسعة من أسلحة الهجوم كالصواريخ الباليستية وصواريخ الكروز والصواريخ المضادة للسفن والصواريخ التكتيكية الأرضية، وكذلك المركبات المسيرة والقنابل الذكية المحمولة جوا، وأكثر من ذلك بكثير.

والثانية الخبرة التشغيلية التي اكتسبتها إيران وحلفائها خلال الحرب في سوريّة واليمن والعراق أوْ جولات القتال مع إسرائيل، والتمرن على صد الغارات الإسرائيليّة في الحرب بين الحربين، في سوريّة، تسارع تطوير قدراتها الهجومية وقدراتها الدفاعية والدفاعية، وقد أثبتت هذه الخبرة التشغيلية دون أدنى شك قدرة متعاظمة لدى أعداء إسرائيل الذي يدرك الآن أن “ثورة الدقة” تعني تغييرًا هائلاً في قدرات هجوم أعدائه.

وتابعت الدراسة: ستستهدف الصواريخ الدقيقة الأهداف الإستراتيجية القائمة على القيمة: بطاريات الدفاع الجوي (في محاولة لتحييدها)، مصافي حيفا، مستودعات المواد السامة، محطات توليد الكهرباء، البنية التحتية للغاز، مكتب رئيس الوزراء، مبنى الأركان العامة، مقر القيادة، قواعد سلاح الجو والمطارات والموانئ البحرية والقواعد العسكرية وأكثر من ذلك، وسيتم سيتم توجيه مئات الصواريخ إلى المراكز السكانية لتقليل فعاليتها، وبالنسبة لنظام الاعتراض فإنّ هذه الصواريخ ستجعل من الصعب اكتشاف الصواريخ والأسلحة التي تستهدف الأهداف الحساسة والحيوية للدفاع الإسرائيليّ.

مُضافًا إلى ما ذكر، فإنّ ما يخشاه الإسرائيليّ هو أن هجومًا صاروخيًا شاملاً متعدد الطبقات سيكون قادرًا على شلّ الأنظمة الدفاعية وضرب الأهداف الإستراتيجية والحساسة التي لا غنى عنها للعمل المستمر لنظام القيادة والسيطرة وكذلك البنى التحتية للجبهة الداخلية مثل الماء والكهرباء وأنظمة الإطعام.

في السياق عينه، قال البروفيسور أوري بار يوسف، من جامعة حيفا، في مقالٍ نشره بصحيفة (هآرتس) العبريّة، تعقيبًا على اغتيال الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، قال إنّ حزب الله يملك 150 ألف صاروخ وقذيفة، منها 10 آلاف، يصل مداها إلى 200 كم وأكثر، وتحمل رؤوسًا متفجرةً تصل زنتها إلى أكثر من نصف طن، وهذه الصواريخ قادرة على ضرب مركز إسرائيل، بالإضافة إلى الصواريخ المنصوبة بسوريّة، كما قال.

وتابع أستاذ العلاقات الدوليّة الإسرائيليّ قائلاً إنّ هذه المعطيات مخيفة، وأنّ الهجوم الصاروخيّ المُكثّف من شأنه القضاء كليًا على البنية التحتيّة للكهرباء، المياه والغاز في الدولة العبريّة، وأنْ يُصيب بشكلٍ كبيرٍ الموانئ البحريّة والجويّة، وبالتالي يُغلقهما، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ الهجوم الصاروخيّ من قبل إيران وحليفتها على إسرائيل سيمّس مسًا سافِرًا بقدرة جيشها على الردّ، وأنْ يُصيب مراكز المدن المُهّمة ويُوقِع آلاف القتلى من المدنيين.

وقال البروفيسور أيضًا صحيح أنّ أعداء إسرائيل سيتلّقون منّا الضربات، ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار، شدّدّ بار يوسف، قوّة التهديد الذي تُواجِهه الدولة العبريّة، فمن المُحتمل جدًا إلّا يعود الأعداء لوحدهم إلى العصر الحجريّ، وهذا الأمر هو عمليًا ميزان الرعب، مُختتمًا بالقول إنّه لا عجب في أنّ مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ وصف التهديد بأنّه وجوديًا، على حدّ تعبيره.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى