مروان لم ينهزم

في اولمبياد البرازيل، خشيت على أحد السباحين العرب من الغرق، وهو يصارع مياها بلا أمواج، يتنفس تحت الماء، ويكابد على نفسه محاولا التعلّق بقدم آخر منافس برمائي، تفصل بينه وبين بريق الميداليات مسافة لا تقدر بالأمتار، ولا تدرك باللهاث.

سهل أن تحمل علم بلادك في استعراض الوفود المشاركة ضمن حفل الافتتاح، لكنّ المهمّة الأصعب، هي أن تتمكّن من رفعه في منصة التتويج، وتجعل منه أعلى من مجرد بيرق، وأكبر من قطعة قماش

العرب مازالوا يبررون كل خيبة مسعى بكلمة “العبرة بالمشاركة”، وهكذا نتشارك جميعا في هذه “العبرة” التي لم أجد لها تفسيرا، وهي تشبه طريقة الذين يظنون بأنّ مجرّد زيارة البقاع المقدسة، ولو بقلوب مليئة بالضغائن وسجلات طويلة من الجرائم، تكفل لهم الجنة والعتق من النار..

تذكرني “العبرة بالمشاركة” بتعليق مذيع عربي على نوع من المصارعة الحرة، والتي بدا واضحا أنه – مثلي- يجهل أبسط قواعدها وأحكامها، بل وربما كان يشاهدها لأول مرة في حياته، أمّا سبب حشر أنفه ولسانه في ميكروفون التعليق، هو أنّ اللاعب المنافس للأميركي، من بلد المذيع وربما ابن ربعه وعشيرته.

أطنب المذيع في مدح وتشجيع “ابن ديرته” مروان، إلى درجة أنه شبّه المنازلة بالفتح العربي لديار الغرب، ووعد جمهور المشاهدين بسحق هذا المنافس المتطاول، وقبل أن يتم زمجرته، هوى “المتطاول” على مروان بضربة لا تبقي ولا تذر، بطحته أرضا، وجعلته يستغيث.. وبعد صمت مطبق، كنت قد خلت أثناءه أن الضربة طالت المذيع أيضا، خرج علينا صاحبنا بصوت متهدّج، وعلّق قائلا “لاحظوا أعزائي المشاهدين قوة تحمّل مروان، وبسالته في الصمود أمام غطرسة هذا الذي تسوّل له نفسه النيل من كبريائنا، مروان لم يغادر الحلبة يا أعزائي الجمهور، مروان لم ينهزم، فهيهات أن ينال هذا السافل من كرامتنا.

أما كان الأجدر بهذا المذيع أن يضيف إلى حماسته وعروبته، شيئا من المعرفة والتحلّي بالنزاهة، وهل كان أولى بمروان الإعداد والتدريب قبل أن يحمل صورة حاكم بلاده.

ما يجعل الهزيمة أثقل هو المكابرة والرعونة والتعصب القاتل، فمن يمارس الرياضة بغير روحها، هو كمن يتردد على دور العبادة دون إيمان، أو يعلن الانتصار قبل بدء المعركة التي لم يعدّ لها شيئا، أو بعد هزيمة صريحة.. أو فلنقل “دون أن يخوض المعركة، أصلا”.

يذكرني ما تقدم بالنكتة التي كان يتداولها التوانسة، حول أن الزعيم الليبي الراحل قد تحدى بورقيبة إن كان يرضى بالدخول معه في سباق، فعلها بورقيبة وقبل بالتحدّي، شرط أن يعلن الإعلام الرسمي التونسي النتيجة، والتي جاءت كالآتي “حلّ بورقيبة ثانيا، أما القذافي فقد جاء في مرتبة ما قبل الأخير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى