مساجلة ضرورية : ((قضية)) المجلس الوطني للإعلام في سورية !
عندما ارتفع هدير الأزمات من حول سورية عشية عام 2011 تهيأت سورية لمواجهة الاستحقاقات التي تفرضها تلك الموجة، وسريعا وصلت تبعات الزلزال الذي ضرب المنطقة إلى سورية، وكانت تلك التبعات أشد قوة من الزلزال نفسه. وخلال فترة قصيرة أنتجت الدولة السورية مجموعة تشريعات هامة، لايمكن الاتفاق على إنتاجها، لو أجلت إلى اليوم، إلا بعد عشرين سنة من مفاوضات جنيف.
وعلى رأس الخطوات التي أنتجت صياغة الدستور السوري الجديد، ثم صدور قوانين متتالية تتعلق بالإعلام والأحزاب وغيرها، وقد غير الدستور المادة الثامنة، وكفل في المادة الثالثة والأربعين منه حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام واستقلاليتها، ومن القوانين التي صدرت قانون مهم للإعلام، الذي أعلن في المادة (3) منه أن الإعلام يؤدي رسالته بحرية واستقلال وجميع وسائله مصانة، ولا يجوز تقييد حريته إلا وفقاً لأحكام الدستور والقانون. واستند القانون في المادة الرابعة إلى التوجهات الأساسية الآتية :
أ- حرية التعبير والحريات الأساسية في دستور الجمهورية العربية السورية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية ذات الصلة المصادق عليها من الجمهورية العربية السورية.
ب- حق الإنسان في الحصول على المعلومات المتعلقة بالشأن العام.
ج- القيم الوطنية والقومية للمجتمع السوري، والمسؤولية في نشر المعرفة والتعبير عن مصالح الشعب، وحماية الهوية الوطنية.
وقد أحدث في ضوء ذلك مجلس وطني للاعلام كلف بتنظيم قطاع الإعلام يتمتع بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلال الإداري والمالي، و يتولى مهاما حساسة من بينها:
1. المشاركة في كل ما يتعلق برسم السياسة الاعلامية .
2. وضع الأسس والضوابط الكفيلة بتنظيم قطاع الإعلام.
3. اقتراح وإبداء الرأي في التشريعات المتعلقة بقطاع الإعلام والإسهام في وضعها في موضع التنفيذ.
4. وضع وإقرار المواصفات الفنية المرتبطة بمنح التراخيص.
إضافة إلى إعداد ونشر تقرير سنوي عن واقع قطاع الإعلام، وإصدار المطبوعات والمنشورات والنشرات المهنية. ومن ثم متابعة الأداء الإعلامي لكافة المؤسسات الإعلامية فيما يخص المخالفات المنصوص عليها في هذا القانون.
وكان هذا حكما يتضمن وزارة الإعلام كمالك باسم الدولة لوسائله التي أصبحت جهات إعلامية أمام القانون وعليها تنظيم أمورها على هذا الأساس.
كان هذا يعني مباشرة ظهور التقابل الذي يؤدي إلى تصادم بين أداء الوزارة والمجلس الوطني للإعلام، وخاصة أن الوزير عادة ما يحصن أداءه وطريقة عمله، من قوة موقعه، فلا يسأل إلا أمام مجلس الشعب ومجلس الوزراء الذي هو عضو فيه ، وبطبيعة الحال أمام رئيس الجمهورية .. ومن هنا كان يمكن أن نتوقع التداخل بين المهام، وحساسية الأداء اليومي للطرفين، وخاصة أن المجلس الوطني في تقرير السنوي انتقد وسائل الأعلام وحدد أخطاء لم يكن لترضى عنها الجهات ذات العلاقة.
استقر المجلس الوطني بعد تشكيله على النحو الذي حدده الرئيس بشار الأسد عام 2013 بالمرسوم رقم 199 القاضي بتشكيل المجلس من : محمد رزوق رئيساً، وفؤاد عبد المجيد البلاط نائباً للرئيس، د. ناديا خوست وناظم بحصاص ود. فؤاد شربجي و د. خلف الجراد، وجورج قيصر وماريا ديب ، ومحمود الجمعات ..أعضاء .. عندما انتهى استحقاق دورة المجلس، كان من المتوقع حدوث تغيير في بنية أعضائه أو اسم رئيسه، لكننا فوجئنا في خبرين مقتضبين نشرتهما صحيفة الوطن السورية نقلت في أحدهما عن مصدر مسؤول رفيع المستوى قوله إن الحكومة تعد مشروع مرسوم لتعديل قانون الإعلام الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 108 لعام 2011 وإلغاء المجلس الوطني للإعلام.. وكانت الحكومة قد أقرت في جلسة سابقة ضرورة إعادة هيكلة المجلس الوطني للإعلام دون الإفصاح عن مزيد من التفاصيل.
وفي تصريحه لـ«الوطن» قال المصدر إن قرار إلغاء المجلس جاء لعدم التكامل في المهام بين عمله وعمل وزارة الإعلام، الأمر الذي رسخ القناعة لدى الحكومة باتخاذ قرارها بإعداد مشروع لتعديل قانون الإعلام وإلغاء المجلس. وقال إيضا إن إلغاء المجلس يعني تعديل المرسوم التشريعي المشار إليه، مؤكداً أن وجود الوزارة والمجلس في آن واحد شكل نوعاً من المشكلة في آلية العمل، وأضاف: إن صلاحيات المجلس الوطني للإعلام ستحال جميعها إلى وزارة الإعلام.
هذا يعني أن المجلس الوطني للإعلام دخل الحياة الإعلامية السورية وخرج منها دون أن يعرف أحد هل كان خطوة لابد منها، أم كان خطوة مرتجلة، وفي هذه الحالة يبرز السؤال الأساسي: عندما تم إصدار قانون الإعلام والمجلس الوطني، ألم تشارك وزارة الإعلام حتى بوضع وتبني التعليمات التنفيذية للقانون التي من بينها ضرورة تعاون الوسائل الإعلامية كافة مع المجلس في عمله لتنفيذ هذا القانون بالشكل الأمثل .. إذن ما الذي حصل ؟!
وإذا كان من رسالة سياسية يؤديها وجود المجلس الوطني للإعلام في اللحظة التاريخية التي ظهر فيها، فإن هذه الرسالة تتجذر الآن مع رفض الشعب السوري كله لأي شكل من أشكال الفوضى وقناعته بالاتجاه إلى التحديث التشريعي بما يلائم الدستور الجديد الذي جاء ردا سورياً على ((الربيع العربي)) الذي أحرق كل شيء في المنطقة العربية ..
إن من الضروري في هذه الحالة دراسة التجربة بتأن بل وإقامة ندوات ولقاءات بين الإعلاميين للحديث عن معنى هذه الخطوة الجديدة، ومن الطبيعي هنا أن يشارك كل إعلامي بالحوار، وإلا قد نكون بعد فترة قادمة أمام مفترق طرق جديد يحاول سد الثغرة بين وسائل الإعلام التي تتزايد وتدخل في عمق القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وبين الإعلام الرسمي !