مستشارة في البنتاغون: 5 سيناريوهات لمستقبل الصراع السوري (ملاك حمود)

ملاك حمود

تدور في الفلك السوري أسئلة عدة، أكثرها إلحاحاً: إلى أين تتجه الأزمة التي اتخذت طابعا دراماتيكيا دمويا؟
ثمانية عشر شهرا مرت على صراع، قد يؤدي إلى حرب أهلية… فالنظام والمعارضة يدوران في فلك وجودي.. إلا أن أحدا لن يستطيع إلغاء الآخر.
وفي هذا الصدد تكثر التحليلات والروايات حول مستقبل سوريا، وأحدثها تقرير لـ«مركز الأمن الأميركي الجديد»، يتحدث عن خمسة سيناريوهات لمستقبل الصراع في سوريا، أعدته المتخصصة في الشؤون الخارجية لدى وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ميليسا دالتون. وتبوأت دالتون عددا من المناصب في البنتاغون، بينها مستشارة سياسية لوزير الدفاع، بين العامين 2007 و2010، حيال لبنان وسوريا. وقبل عملها الحالي في وزارة الدفاع عملت كمحللة لشؤون الشرق الأوسط في وكالة الاستخبارات التابعة للبنتاغون بين العامين 2003 و2005. ودرست اللغة العربية وعلمت الانكليزية في دمشق في العام 2006.
سيناريوهات خمسة لا تخلو من الحرب الأهلية وشرذمة طرفي النزاع في لعبة اللاغالب واللا مغلوب. فبين حرص النظام على ربط «الثورة» بالجماعات «الإرهابية» المسلحة لـ«تشويهها» وقطع الدعم عنها، وبين المعارضة التي تسعى جاهدة عبر الدعم الخارجي والتنسيق الداخلي إلى محاولة الاصطفاف إلى جانب «الثورات الديموقراطية»، يفشل الطرفان في وقف إراقة الدماء.
من ناحيتها تراقب الولايات المتحدة عن بعد، رافضة أن تتدخل بشكل مباشر في النزاع القائم، والذي سيؤثر حتما على مصالحها الإستراتيجية سواء بقي الرئيس السوري بشار الأسد على رأس السلطة، أو وصلت «المعارضات»، التي لا يجمعها إلا الاسم، إلى السلطة. إلا أن التقارير تشير إلى أن أميركا متيقظة لهذه المرحلة، فقد بدأت تعد العدة لهذا اليوم الذي قد لا يكون قريباً… فالأزمة تتدحرج ككرة الثلج التي ستصل إلى دول الجوار، مهما نأت بنفسها أو حتى أخذت طرفا.
فالصراع القائم في سوريا حاليا يهدد مصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية، وهو بذلك يترك واشنطن أمام خيارات قليلة لحماية مصالحها في المنطقة، وبالتالي يقلص نفوذها بتحديد مسار مستقبل هذا البلد. ويشير التقرير إلى أنه نظرا لهذه التحديات، فعلى أميركا اتباع إستراتيجية جديدة للتخفيف من هذه المخاطر عبر تركيز سياساتها على إدانة العنف، والتخفيف من المعاناة الإنسانية للشعب السوري.
ويرى التقرير، تحت عنوان «خمسة سيناريوهات لمستقبل سوريا»، أن الأزمة بلغت ذروتها حتى أصبح الحديث عن انتقال سلمي للسلطة «مستحيلا»، على الرغم من كل الجهود الديبلوماسية الرامية إلى إيجاد مخرج سياسي لما تعيشه البلاد من حرب استنزاف، طاولت كل بقعة أرض فيها.
ومع تصاعد حدة ودموية الصراع، الذي استقطب متطرفين مرتبطين بتنظيمات إرهابية وعمّق الانقسامات الطائفية، يتركز النقاش العام في الولايات المتحدة على سياسات محددة لمعالجته، منها تسليح المعارضة السورية مباشرة أو عبر فرض مناطق حظر جوي لدعمها لوجستيا. ويبقى سيناريو «ما بعد النزاع» غامضا، ولكنّ التقارير الحالية تشير إلى أن صناع السياسة في واشنطن يركزون على مرحلة «ما بعد الأسد» وذلك تفاديا لما واجهوه بعد غزو العراق في العام 2003.
المصالح الأميركية في سوريا
تبدو الولايات المتحدة، مع الضبابية التي تحيط بالمشهد السوري، عالقة بين إنهاء الصراع من جهة وحماية مصالحها الإستراتيجية من جهة أخرى. ويطرح التقرير بعضا من هذه المصالح التي تسعى واشنطن جاهدة لحمايتها، يتلخص أبرزها بـ:
– منع انتشار الأسلحة الكيميائية، التي قد يستخدمها النظام السوري في حال نفاد أدوات الحل، ولكن الأخطر من ذلك هو وقوعها في أيدي الإرهابيين.
– منع امتداد الصراع إلى دول الجوار، إذ أن من شأن الأزمة في سوريا أن تؤدي إلى توترات طائفية، قد تمتد إلى لبنان والعراق والأردن وتركيا عبر الحدود السورية المخترقة.
– تحجيم الدور الإيراني الذي يسعى إلى إثارة الخلاف في المنطقة عن طريق التحالف مع النظام السوري الذي مكّن طهران من استعراض قوتها في الشرق، عبر دعمها لـ«حزب الله» وبعض الفصائل الفلسطينية.
– منع الجماعات المرتبطة بتنظيم «القاعدة» من العمل بحرية داخل سوريا، بحيث تشير التقارير إلى تزايد وجودها وانخراطها في صميم الصراع السوري، والتي قد تحاول إيجاد ملاذات آمنة في المناطق التي لا تخضع لسيطرة النظام أو المعارضة.
ضمان أمن إسرائيل
إن نظاما إسلاميا في دمشق سيكون أكثر عداءً لإسرائيل، لكن نظاماً جديداً يحدّد علاقاته بإيران و«حزب الله» ويسعى إلى شراكة مع الغرب، سيكون أكثر تقبلا لاتفاقية سلام مع الدولة العبرية.
وبالرغم من أنها قدّمت مساعدات غير عسكرية للمعارضة، وسهلت تسليح عناصرها عن طريق السعودية وتركيا وقطر، فإنّ واشنطن تبدو متردّدة في الانخراط بشكل مباشر في الصراع السوري خوفا من التورط في مأزق قد يطول أمده، ما قد يعيق مخططها لإعادة التوازن الإستراتيجي نحو آسيا على المدى الطويل. أما التدخل عسكريا في سوريا فمن شأنه أن يفاقم الصراع ويشجع الجماعات المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية على تعزيز وجودها في النسيج السوري. كما يمكن لهذا التدخل أن يؤدي إلى حرب بالوكالة مع إيران وروسيا، الأمر الذي سيقوض الجهود التي يبذلها مجلس الأمن الدولي للضغط على طهران.
ويعرض التقرير المؤلف من 12 صفحة، خمسة سيناريوهات لمستقبل سوريا، تبدأ بموت الأسد المفاجئ وتنتهي بتقسيم سوريا إلى فيدراليات طائفية بعد تفشي الحرب الأهلية في البلاد، وامتدادها على الأرجح إلى دول الجوار.
1- الموت المفاجئ للأسد
يمكن أن يكون سيناريو اغتيال الأسد على يد المعارضة أو متشددي «القاعدة» المسمار الأخير في نعش النظام، تتبعه حرب أهلية لسنوات طويلة.
وتبدأ عندها مؤسسات الدولة بالتداعي نظرا لارتباطها بالنظام السابق، ما سيقلل من فاعليتها، إضافة إلى محاولة الجيش وقوات الأمن اكتساب ثقة المدنيين مجددا. وفي هذه المرحلة لن تكون المعارضة أو حتى المجتمع الدولي على استعداد للتخطيط لانتقال سياسي والاستعداد لتنفيذ إستراتيجية جديدة فعالة.
وستحاول من جهتها كل من روسيا والصين احتواء الصدمة التي ستنتج عن مقتل الرئيس السوري، بقمعها للتمرد الذي سيلي مرحلة «ما بعد الأسد»، أو أنهما ستتبعان إستراتيجية مغايرة عبر التقرب من زعماء المعارضة الناشئة.
2- مرحلة انتقالية
في السيناريو الثاني، يتنحى الأسد إما عبر التفاوض مع المعارضة بتدخل تركي، أو بعد انقلاب عسكري. وبغض النظر عن طريقة رحيله عن السلطة فإن المرحلة الانتقالية ستعتمد في المرحلة الأولى على كبار المنشقين عن نظامه، للتعاون مع المعارضة السياسية لوضع إستراتيجية للانتقال السياسي.
وستعمل الولايات المتحدة من جهتها على تشجيع الحكومة الانتقالية على استخلاص العبر من دروس غزوها العراق، من خلال عدم حل الجيش السوري والأجهزة الأمنية. كما ستقترح واشنطن، بالطبع، المساعدة عبر التنسيق مع المسؤولين السابقين، على توفير التدريب والمساعدة لحماية مخازن الأسلحة الكيميائية.
3- عزل الأسد وسيطرة المعارضة على معظم سوريا
بعد أكثر من عام على الاقتتال بين القوات النظامية والمعارضين المسلحين تشتدّ ضراوة الحرب الأهلية، ما سيدفع ببعض كبار المسؤولين إلى الانشقاق عن النظام وإبعاد الأسد أو قتله.
وفي هذا السيناريو يزداد الخطر على مصالح الولايات المتحدة، فانشقاق بعض المسؤولين عن النظام السوري سيؤدي إلى اعتماد المعارضة بشكل أكبر على استشارة الغرب حول كيفية الإطاحة بالأسد، فيصبح الصراع أكثر دموية بين طرفي النزاع. وستحاول واشنطن حينها التنافس مع طهران للتأثير على النظام الجديد، تماما كما فعلت في العراق ولبنان.
ومع سعي المجتمع الدولي الدؤوب إلى توحيد السلطة، فانه سيواجه عقبات داخلية كبيرة تحول دون ذلك، وبخاصة أن النظام الجديد، الذي سيكون ذات غالبية سنّية، سيحاول تهميش العلويين، وخاصة البارزين منهم الذين اختاروا أن يبقوا في صف النظام المتداعي، الأمر الذي سيؤدي إلى توسع الأعمال الانتقامية لتشمل الأقليات الأخرى من الدروز والمسيحيين، التي ستعتبر متواطئة مع الموالين للنظام.
4- الأسد يحافظ على السلطة بعد حرب أهلية طويلة
في هذا السيناريو يبقى الأسد على رأس السلطة بدعم من روسيا وإيران، ولكن تضعف سيطرته على الدولة. وقد يختار في هذه المرحلة عدم استخدام المخزون الكيميائي تفاديا لرد فعل المجتمع الدولي.
ولكنّ بقاء الأسد سيضعف مصداقية الولايات المتّحدة وحلفائها، فيصبح هذا السيناريو بمثابة صفعة لثورات «الربيع العربي» والبلدان التي شهدت مراحل انتقالية عقب هذه الثورات.
5- تقسيم سوريا إلى فدراليات طائفية
تدور حرب أهلية طاحنة على مدى السنوات القليلة المقبلة فتدمر هيكل الدولة السورية، وتنحدر بذلك إلى الفوضى مع تزايد عدد القتلى من المدنيين، لتصبح المعارضة طائفية فينمو الصراع بشكل متزايد، وتزداد أعمال القتل الانتقامية. وفي هذه الحالة يكون مصير الأسد، الموت، التنحي، أو التهميش.
وهذا السيناريو هو الأخطر بالنسبة للولايات المتحدة، إذ ستضعف سيطرة الدولة على الأسلحة الكيميائية، وقد يختار أنصار النظام استخدام هذه الأسلحة لمنع تقدم المعارضة نحو المناطق التي يسيطرون عليها. كما أن هناك احتمال أن تجد هذه الأسلحة طريقها إلى المتشددين. وقد يقرر الموالون للنظام نقل الأسلحة إلى «حزب الله»، سواء كتدبير مؤقت أو كوسيلة احترازية من أي هجوم إسرائيلي محتمل على سوريا. وبناء على ما تقدم، ستجد أميركا أن من مصلحتها قيادة تدخل عسكري في سوريا لتأمين الأسلحة الكيميائية، من أجل منع تدخل إسرائيلي أحادي الجانب من شأنه أن يكون أصعب وأكثر فتكا. ويمكن أن يؤدي الصراع الذي طال أمده إلى حرب بالوكالة تخرج عن نطاق سوريا لتمتد إلى دول الجوار لا سيما العراق ولبنان.
وسيجد أكراد سوريا الفرصة المناسبة لإعلان دولتهم المستقلة أو حتى السعي إلى الانضمام لاتحاد أكراد العراق وتركيا، ما سيؤثر على استقرار الأخيرة وعلاقتها مع العراق.
من الواضح أن السيناريوهات الأميركية الخمسة، ستنعكس على المنطقة ككل، لتشمل الدول المجاورة لسوريا وحتى الحليفة لها… فتشتعل حرب إقليمية قد لا تستثني أحداً.. ومن يعلم بأي اتجاه تتدحرج الكرة؟

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى