مسرح جديد
الروسي، بالنسبة لي هو تشيخوف وليس سوخوي.
تبدل منذ أيام مسرح العمليات في سورية بدخول وتحويم وقصف الطائرات الروسية لداعش في عدة مناطق… وبذلك، سنشهد، بالطبع، حملات إعلامية تعبوية ضارية تستمد شرعيتها من التنافس الأخلاقي في التسميات التي ستطلق على هذا التدخل. القسمان المنقسمان سيقولان: هذا استعمار أو هذه تحالفات. ولكل أسبابه. لكنني أعتقد أن أدوات تحليل التدخل الروسي لن تكون نزيهة أبداً.
مثلاً…
ماذا سيقول أعداء التدخل رداً على تحالف من 60 دولة بقيادة أمريكا، تتدخل منذ أكثر من سنة، بلا أي تنسيق مع الدولة ذات المسرح الحربي…سورية؟
وماذا سيقول المحللون بالاتفاق الصريح بين واشنطن وموسكو على التنسيق العسكري والسياسي؟
وماذا سيقول المتنبئون عن اجتماعات لافروف ـ كيري التي خلصت إلى الاتفاق “على عدد من الخطوات والتي تقود إلى تقدم نحو الحل السياسي وبصورة سريعة”، وتقود إلى حل يحفظ سورية موحدة، ويفتح الأفق للتغيير نحو بلد علماني ديمقراطي؟
الفريق الآخر…الرافض للتدخل الأجنبي، منذ بداية الأحداث في 2011 سيبدل المفهوم، أو هو يعرف أن لا معنى للاءات الثلاث (هيئة التنسيق وحلفاؤها) منذ اللحظة الأولى لا للطائفية، ولا للتدخل الأجنبي، (ولا…أخرى نسيتها).
في الحقيقة ثمة عبث في ما يحدث، عبث يوم قيامة دولي من صناعة الخسة على الأرض، حتى لو كانت هذه الخسة مما يؤدي إلى ازدهار الآلة، ووفرة التطور، وازدحام الحياة بوفرتها، النفط، والسلاح، والحواسيب والتنبؤ الجوي، والاستشعار عن بعد لكل الموجودات في باطن الأرض، ما عدا الكارثة فوق الأرض. منذ البداية تدولت القصة السورية، وسكنت شقق الغرباء. وكان الصراع مفتوحاً على أسوأ الاحتمالات، وصولاً إلى التدخل من جميع الجهات (لنتذكر 130 دولة زعمت أنها أصدقاء سورية) حيث بعد هذه الصداقة العمياء انكشفت حجوم المأساة وأصبح المشردون أكثر تشرداً.
لنتذكر الرعاية التركية لخط التهريب، والقطرية لخط التمويل، وصولاً إلى تحالف الستين دولة بقيادة أمريكا.
لقد وصلت حرارة الأخطار إلى كل مكان منبعثة من البركان السوري، وكان واضحاً أن روسيا وإيران منذ البداية، لن تقفا على الحياد، ولن تنضما مجرد انضمام إلى التحالف. وإنما سيتطور تفعيل الدعم إلى تدعيم التدخل المباشر.
إلى أين سيؤدي هذا النص؟ وما هي آفاقه المسرحية؟
إذا كان التدخل الروسي سيؤدي إلى “تعيير” بالعين وليس الغين ـ ميزان القوة على الأرض ، فإن احتمال الحل السياسي يكون أكثر قرباً.
ذلك لأن الأطراف ستقتنع عندئذٍ ونهائياً بأن لا حل عسكرياً لهذه الأزمة.
وإذا كانت الأطراف الدولية، بفعل التدخل الروسي، بدأت تقتنع بضرورة الحل فإن طاولة المفاوضات ستكون حقيقية هذه المرة. سواء في جنيف وبمرجعياتها البائدة، أو بدونها.
وبصرف النظر عن الموقف الوطني والأخلاقي الموقف الذي لم يعد بريئاً ولا حقيقياً...فإن عدة متغيرات كانت ضرورية: منها ضمان ألا تتدخل تركيا لخلق مناطق عازلة. ومنها أن يقتنع الأردن بحجم القوة لديه ونطاق استخدامها. ومنها أن لا تنفذ إسرائيل منطقتها العازلة في الجولان. أي أن تصبح إمكانية الحل أفضل بعيداً عن المفاجآت كل يوم، كما كان الوضع.
ولا أظن أنه هدف قليل الأهمية وصول داعش إلى الاقتناع باستحالة مشروع دولتها في هذه المنطقة. وبالتالي سيكون الشرق الأوسط منطقة كتل إقليمية، وتجارب في التقدم المتعثر نحو أشكال حكم جديدة.
أنا لم أطلب تدخل أحد…ولكنني لست ممنوعاً من رؤية ما يجري والتعليق عليه، وليس كل ما حدث خلال مائة عام من صنع آلهة المنطقة، بل من صنع شياطين ما وراء البحار.
إذا أراد السوريون المتصارعون الآن الحل الحقيقي فإنهم يجب أن ينزلوا عن الأغصان العالية التي تسلقوها.
النظام يتخلى عن طريقته في الاحتفاظ والاستفراد بالسلطة.
والمعارضة تتخلى عن طريقتها في الوصول إلى السلطة.
منذ زمن بعيد كنا نردد:
الوصول إلى السلطة ليس بأي ثمن… والاحتفاظ بها ليس بأي ثمن.