
بدأ عرض الحلقات الأولى من مسلسل (البطل) في مطلع الموسم الرمضاني 2025 وسط ضجيج إعلامي حول أعمال أخرى مبهرة دفعت الشركات المنتجة ملايين الدولارات لإنتاجها بشروط مثالية لتستقطب المشاهد العربي في الشهر الكريم، وتحقق السبق الدرامي الرمضاني العجيب الذي يسمى (الترند) .
والمسلسل العتيد (أي البطل) أو (حكاية بطل) من تأليف الليث حجو ورامي كوسا عن مسرحية قديمة للكاتب الراحل ممدوح عدوان، وهو من إخراج الليث حجو الذي لم يسبق لأي عمل له أن مر مرور الكرام في لغته الإخراجية ورسالته ومعناه من دون أن يلتقي مع روح الناس.
وفي حكاية المسلسل تعود الحرب على السوريين لتفرض نفسها على صناعة الدراما السورية في وقت تغيّرت فيه المواقع والاصطفافات مع سقوط بشار الأسد وتغيرت معاني النصوص التي كانت تداور وتتحايل على الرقابة في رموزها وأدواتها، وتخفي أهدافها ودرجات جرأتها عندما تريد تصوير المعاناة الكبرى للإنسان السوري. فالشعب كلّه عاش القهر الطويل، وعاش القمع والغربة والجوع والتشرد والدمار والقتل والسجن، وكان ثمة خشية من أن تغمض العين في أي منتج درامي جديد عن معاناة شريحة من دون أخرى من هذا الشعب.
في بيئة محددة (ساحلية) ومن خلال لهجة بيضاء تكسر معنى البيئة وتنقلها إلى عموم المكونات، فتجعلها نموذجا للإنسان السوري بغض النظر عن هويته القومية والإثنية والدينية والطائفية، في هذه البيئة جرت وقائع مسلسل البطل، مبنية على محاور وشخصيات درامية على غاية من الجاذبية في البناء النصي (السيناريو)، وفي لغة العرض (المشهد).
ففي هذه البيئة يتحول النموذج الدرامي في معناه الأساسي كصراع في الحياة إلى صورة يمكن تعميمها على كل أرجاء الوطن، بطلها الإنسان وهو يتحول من شخصية نمطية إلى شخصية مركبة فرضت عليها مآسي الحرب هذا التحول العجائبي ، حيث يقود تحولها العظيم نهر من المآسي والضغوط التي تراكمت طويلا فأحدثت التغيير في جوهر تفكيرها وقناعاتها وممارساتها.
ثمة امرأة قتلت زوجها وأنجبت (فرج الدشت) طفلها الوحيد منه داخل السجن، وقد لاقت حياة هذه المرأة قهراً اجتماعياً كبيراً إلى أن كبر ابنها وخرج معها من السجن وهو لايعرف من الحياة غير القضبان ، وهذا النموذج واقعي حدث في السجن السياسي والسجن القضائي أو الجنائي معاً..
كيف استقبل المجتمع هذه الطفل العجائبي وكيف تعامل معه، وكيف حولته المعاناة وتراكمها في سياق الحياة إلى وحش؟
لم يكن يقف مع فرج الدشت ويدافع عنه ويرعى عزلته إلاّ الأستاذ يوسف، وهو النموذج الأصيل في المجتمع الذي نبحث عنه دائماً، فهو شخصية إيجابية نموذجية في القرية ومحترمة من قبل المجتمع ، كان يدافع عن فرج إلى الدرجة التي ذهب معه في وجاهة لخطبة فتاة يحبها، فتم رفضه، مما دفع الشاب إلى التحول إلى (وحش الضيعة) كما سعى فيما بعد إلى اختطافها والزواج منها في ظروف معقدة جعلت منه منبوذا أكثر مما كان من قبل، وجعلته يستغرق في التمرد السلبي .
الحرب والأحداث المتتابعة تفرز ظروفا جديدة ، فيصاب الأستاذ يوسف بالشلل وهو ينقذ أحد أطفل المدرسة، التي تحولت إلى مجمع للنازحين، من حريق شب فيها، ويتحول فرج إلى (شبيح) بهوية (أخلاقية) لم تختف نهائياً، منشؤها حبه للقرية وأهلها.
لن أتابع الحديث عن تفاصيل الوقائع الدرامية الآسرة التي جرت في هذه المنطقة من سورية، لكني سأشير إلى عناوينها ، فهي تتحدث عن إهمال السلطة للشعب ومصيره وعن الفساد فيها وعن أثر ذلك على التطور والتوازن الاجتماعي الأخلاقي، فتقدم ذلك بنجاح منقطع النظير في السيناريو ولإخراج والتمثيل جعل المشاهدين يتعاطفون مع التفاصيل الدرامية ويتابعونها وكأنها جزء من حياتهم .
بمعنى آخر، نجح المسلسل، في تقديم مأساة الإنسان السوري بحيادية اتكأت على تقديم الصراع الداخلي لكل شخصية من الشخصيات لتقدم نفسها بما لها وبما عليها، ولم يبخل المسلسل في إعطاء الحق الكامل لكل شخصية في الدفاع عن سلوكها .
مأساة الإنسان السوري في رواية (البطل) الدرامية، مرهونة بظروفها الخارجية والداخلية معاً، ومنشأ هذه المأساة هو الحرب التي غيرت القيم والشخصيات والأهداف والوسائل، بمعنى آخر نحن أمام منتج درامي على غاية الأهمية ندعو إلى تأكيد هوية الدراما السورية من خلاله والسعي إلى هوية جديدة للدراما السورية تساهم في تنقية الروح العامة للمجتمع ، وهذا مطلوب من كل الدراميين .
تحية إلى الليث حجو، ورامي كوسا، وكل الفنانين الذين اشتغلوا لإنجاحه وخاصة الفانين الذين قدموا أنفسهم بأعلى لغة في الأداء بدءا من المبدع الكبير بسام كوسا ووصولا إلى مجموع الممثلين الذين أحببناهم في المسلسل .
بوابة الشرق الأوسط الجديدة