مسلسل العتاولة المصري ، ومسلسل ولاد بديعة السوري : إشكالية المحتوى الدرامي العربي !
عماد نداف
تأخذنا الدراما العربية التلفزيونية هذه الأيام إلى مجموعة تساؤلات تتعلق بأهدافها والرسائل الاجتماعية التي تحملها، وهذا يجعلنا ننأى قليلاً عن أصول السرد وفنيته وأسلوبه بالنسبة للرواية التلفزيونية العتيدة التي نشاهدها بين محطة وأخرى ، ونتجه نحو المحتوى، على قاعدة تقول إن هناك اتجاهاً عاماً تشتغل عليه الجهات المنتجة يأخذ المحتوى باتجاه الصراعات التي تؤسس لإهمال معادلة الدور الدرامي الاجتماعي والترفيهي والتركيز على جانب واحد من هذه الجوانب هو أخطر الجوانب تأثيرا في البنى الاجتماعية وحركيتها وأخلاقياتها.
في نموذجين هامين من هذه الدراما، وهما : مسلسل (العتاولة) المصري ، و مسلسل (ولاد بديعة) السوري ، ثمة ملاحظات لابد من الوقوف عندها، لأنها تلخص الفكرة المراد الحديث عنها، فالجهتان المنتجتان عقدت على المسلسلين دورين هامين في تحقيق أعلى نسبة مشاهدة في الموسم الرمضاني (2024)، وأثار عرضهما ردود أفعال واسعة على هذا المستوى، ولابأس من عقد مقارنة بسيطة بين العملين قبل التعريج على إشكالية المحتوى الدرامي في مخاطره المحتمعية.
أولا : في مسار الصراع العام في كل مسلسل، هو صراع بين أخوة من طرف، وبين الأخوة وآخرين من طرف آخر، فمسلسل العتاولة يقدم صراعا مركباً بين شقيقين هما نصار وخضر اللذين يعملان في سرقة الخزن الحديدية، وأحدهما وهو نصار يمتلك المقدرة الذهنية والمهارات والثاني وهو خضر متهور وشجاع لكنه وفيّ لأخيه حتى اللحظة الأخيرة..
وهذان الأخوان يخوضان صراعا مع طرف ثالث ينشأ عن سرقة تمثال من الآثار المصرية، وتستدعي هذه السرقة تداعيات غرائبية.
أما مسلسل ولاد بديعة فيقدم صراعا مركبا بين ثلاثة أخوة (ياسين وشاهين ومختار) اثنان منهم أشقاء والثالث أخ من الأب فقط ، نلاحظ أن الوفاء يقتصر على العلاقة بين الشقيقين ويقوم على صراع مع أخ ثالث ، وأيضا يخوض الشقيقان صراعات مع أطراف أخرى أساسها التنافس في مهنة (الدباغة) وسرقة الآثار، وأيضا تسبب هذه السرقة تداعيات غرائبية على صعيد الأحداث.
ثانيا في مسار الأحداث : هناك ارتكابات خارجة عن القانون وتجري بعيداً عن أعين الدولة إلى اللحظة الأخيرة، وهذه الارتكابات تُغيّب دور الدولة والسلطات والقانون، وكأننا أمام فوضى مجتمعية، ولاتظهر فيها الدولة إلا في اللحظة الأخيرة ، وهذا الظهور هو لرفع العتب ليس إلا، ولايوازن بين الجريمة والمجتمع.
في مسلسل العتاولة تظهر الدولة في آخر الأحداث بشكل باهت ضعيف في آخر المسلسل، وفي ولاد بديعة تظهر الدولة بشكل أقوى (قليلا) لكنها أضعف من مهمتها في بناء العدالة والقانون وإقامة التوازن المطلوب منها.
ثالثا : الاتكاء على الأكشن ومن أدواته (القتل) و (الخطف) و (التصفيات) ، وهي ثيمات الأفلام الغربية ودراما المافيات المعروفة والمتنافمية في المحتوى الدرامي العالمي. ففي مسلسل العتاولة تبدو الظاهرة واضحة (رغم تأكيد) الشخصيات على عدم الرغبة بوجود دم ، أي لابأس من تجاوز القانون لكن (الدم) لا .
وفي ولاد بديعة هناك قتل وخطف وتصفيات واستخدام سلاح، بل هناك أكثر من مجزرة، من دون تأكيد على رفض الارتكابات الدموية .
ويمكن أن نلاحظ تشابهات أخرى على صعيد الشقيقات والحب والشخصيات الثانوية، لكن المرتكزات الثلاثة التي أوردتها هي حاملة المعنى الأساسي في دوامة الحديث عن المحتوى الدرامي واتكائه على الجريمة .
هل هذه هي (ثيمة) المحتوى في الدراما العربية؟
وكيف تتعامل دوائر المصنفات الدرامية مع هذا التوجه العربي ، والذي أخذ بعدا أكثر خطورة في مسلسلات يفترض التوقف عندها يتعلق بإقامة (كومونات) فوضوية تتمرد حتى على السلطات كما هو الحال في مسلسل (العربجي) وتسعى لتحقيق عدالة خارج القانون .
إذن هي (الفوضى) !
والفوضى عندما تكون في بعدها العام مبنية على معطيات اجتماعية واقتصادية مدروسة تكون بالنتيجة قادرة على الإقناع، وعلى تقديم الرسائل المطلوبة، ومع ذلك يفترض الوقوف عند تأثيرها الاجتماعي والوطني على صعيد الصورة وتأثير الحكاية، ناهيك عن تأثير النجوم على المشاهدين (الجيل الجديد) في السلوك والمنطق والبحث عن حلول فردية .
إن إشكالية (المحتوى الدرامي) في المسلسلات العربية مسألة ثقافية بامتياز لأنها جماهيرية بآن واحد، ويفترض في هذه الحالة التوقف عند الآثار التي تتركها هذه الأعمال على المشاهد وخاصة أن حجم المشاهدة يقاس بمعايير وسائل التواصل نفسها (الترند) وهو معيار للمشاهدة الكاسحة في لغة العصر .
بقيت النقطة الأخيرة والأهم في سياق الفكرة التي أتحدث عنها ، وهي أن تقديم هذه الأعمال يتم بسوية إنتاجية عالية، وبمهارات فنية متطورة، ومن خلال نجوم (سوبر ستار) ، أي لايمكننا أن نأخذ عليها ملاحظات كبرى على صعيد صناعة الدراما وإنتاجها، وهنا يبرز السؤال الأكبر!
بوابة الشرق الأوسط الجديدة