فن و ثقافة

مسلسل النار بالنار : نقرأه كما شاهدناه، ولاتهمنا مشاكلكم

خاص

رغم الحديث الذي خرج على وسائل التواصل عن الحلقات العشر الأخيرة من مسلسل (النار بالنار)، فإن هذا العمل الذي زين الموسم الرمضاني لعام 2023 ، قدم نموذجاً عن الدراما المشتهاة التي تقدم الواقع بعين الفن، وتسلط الضوء على مآسيه، وتفتح على المعنى في الدراما الذي نبحث عنه باستمرار.

أخذ كاتب السيناريو المحترف رامي كوسا نموذج (المرابي)، من الأسواق والحارات العربية، فلم يكن بحاجة إلى مدينة فينيسيا، ولا إلى شايلوك، في مسرحية تاجر البندقية، ليحكي عن مأساة الانسان في واقع بشع كان نتاجا عن الحروب والمآسي والفساد والرشاوى.

وجد هذا الواقع في مدينة معاصرة (بيروت) ، وفي شخصية عمران الموجودة بيننا (عابد فهد)، وفي حكاية حارة لبنانية يعيش فيها السوريون اللاجئون مأساتهم جنبا إلى جنب مع اللبنانيين الذين يكابدون من مآسي أقدم ، اختلط فيها الصراع الدرامي المبتكر، مع الواقع (الخيالي) لنجد أن الصورة التي نريدها أكثر وضوحا لدى المبدع العربي الباحث عن المعنى مما كنا نعتقد.

فمريم (كاريس بشار) مدرسة سورية نزحت إلى لبنان لتعمل بائعة خبز، تُجبرها الظروف على التعامل مع عمران الثنائي الهوية (سوري، لبناني)، المتوحد مع النمط الشكسبيري، مع خصوصية أن الإنسان فيه قادر على النبض في لحظة ما نتيجة حالة حب.

الحارة موضوع البحث، تكشفها (كاميرا) المخرج محمد عبد العزيز، عبر (الدرون)، فتدور مخترقة الأسلاك والفوضى والمخالفات والزواريب ، ثم نرى أدواته الأخرى تكشف الصراع بين الشخصيات والصراع داخل الشخصيات نفسها.

فالمظلوم ظالم ، والظالم مظلوم، وفي الحكاية تفاصيل يومية على غاية التعقيد، لكنها تمكنت من تقديم كل شخصية على حدة، في صراعها الداخلي، وفي مأساتها، وفي صراعها مع الشخصيات الأخرى ، وفي صناعتها العفوية للحدث، حتى لو دخل ذلك في التابوهات.

لكن (الصراع الأكبر) تحقق في القفزة المفاجأة في شخصية المرابي، القادر على إنتاج الحب رغم فظاظة روحه وجشعه وطمعه، وقد استدرجنا إليها العمل بسلاسة، لنعتقد أن عمران الإنسان بدأ يتغير، وبأن مريم الإنسانة، هي السبيل إلى هذا التغير، وهنا يبرز السؤال هل سيكون هذا المنعطف بمنأى عن تطورات أخرى؟!

الذي حدث قدم التحول الأهم في الأحداث، وهو التغير الذي طرأ على شخصية (عزيز) الباحث عن أبيه (المخطوف) ، والذي غرق في مأساته حتى أذنيه، فقدم نفسه بعنصرية التفريق بين السوريين واللبنانيين ، إلى درجة إعلانه منع تجول السوريين بعد الثامنة مساء.

هذا التحول أوقعه في حب مريم، (الالتقاء مع النقيض) ، أطروحة ممكنة في الدراما، وجذابة في لعبة التمثيل، وناجحة في دراما (النار بالنار).

إذا نحن أمام مخطط درامي قادر على الإدهاش، وتقديم المعنى في تفاصيله، وأنا لا أرى أن مقولة العمل تم تغييبها بسبب الخلافات بين عناصر الانتاج، فالنقد لايهتم بالتفاصيل، هذه المسألة تخص سيرة إنتاجه، ولاتغير مسار الحكاية التي شاهدناها، ونحن لانقف إلا عند المحتوى كما ظهر لنا ، وهو مضمون سردي قادر على الإقناع .

والغريب أن العمل في حلقاته الثلاثين، حرك أصابعه في إشارات هامة إلى موضوعات تثير القلق كضياع المثقف العربي ، وحجم المأساة الإنسانية الكبرى، في بلادنا في أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية ، بل وكسر العمل  حواجز الرقابة من دون ابتزاز الرقيب،وبنى مشروعا رائعا حتى وإن اختلف صانعوه .

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى