مسلسل الهيبة الرد : بين هيبة الأداء المتقن، وهيبة النص المشتت !
يأتي الجزء الأخير من مسلسل الهيبة مزوداً بقوة دفع من الأجزاء السابقة التي أشتهرت و حظيت بشعبية ومتابعة واسعة. مع خسارة جمهور رمضان، التي تسبب بها وباء كورونا و عطل إستكمال التصوير وأخر الإنجاز اللأئق بالعرض. . و مع ذلك فقد حمل هذا الجزء ملامح فنية تستحق النظر، و قام على أسلوبية تستوجب التوقف والتدقيق .
منذ اللحظة الأولى يدخل المخرج سامر برقاوي الإسلوبية السينمائية ، سواء في التصوير أو التقطيع أو حركة الممثلين مع حركة الكاميرا . إضافة للإستعانة بالراوي في البداية، الذي وضع الأحداث في سياق جديد يخلق مساراً درامياً متطوراً عن أحداث الأجزاء السابقة . هذا الإنحياز للإسلوبية السينمائية ولدت لدى المشاهد دهشة و إنجذاباً لفنية الصورة وجماليتها بكل مكوناتها، من غنى المكان، إلى طاقة الأداء التمثيلي ، إلى الإضاءة ، إلى الحركة، إلى الموسيقى. . و ساعد على إحداث هذه الدهشة فنية و إبهار أداء نجوم العمل، و خاصة تيم حسن الذي أعطى هذا الجزء نكهة جديدة ، بما أدخله من إحساس على شيخ الجبل نتيجة كل ما حدث له . كما أن منى واصف رسخت علاقة المسلسل بالجمهور، و إضافة عادل كرم و ديما قندلفت، أعطت العمل جدة لافتة ، عطرها عادل بتجسيده، و شحنتها ديما بعمق إحساسها . . . و لكن هذه الدهشة وهذا الإنجذاب الفني، الذي كان في ذروته في الحلقة الأولى، و الذي بدأ الجمهور يعتاده مع تقدم الحلقات، و بالتالي يقلل من الدهشة تجاهه، الأمر الذي قد يؤثر على وقع المسلسل من التلقي مع تقدم الحلقات، و مع ترسخ التعود على المميزات السينمائية المعتمدة . . فهل هناك ما غاب عن صناع العمل ؟؟؟
يبدو أن ما غاب هو أساس مهم من أسس الدراما التلفزيونية ، وهو و بسبب طبيعة التلقي و تتالي الحلقات في سلسلة طويلة، تعتمد الدراما التلفزيونية على دراما الحكاية المتوالدة فصولها، على محور موحد لها بواسطة ما يسمى لاوعي النص، و إنجدال عناصر دراما الحكاية حول هذا المحور، والصراع الدرامي المعبر عنه بإصطدام الشخصيات، وتفاعل الحوارات ، والغوص في المشاعر، وعرض الأحاسيس، و كما هو معروف تشترط الدراما التلفزيونية توازن كل هذه العناصر حول لاوعي النص لتستطيع إستمرار نجاحها في جذب المشاهد … و بذلك فإن الإنحياز للإسلوبية السينمائية لتطوير الصورة والحركة شكل إضافة لجاذبية العمل الفنية ، أما إعتماد هذا الإنحازعلى حساب العناصر الدرامية الأخرى، فلا يكسبنا إلا دهشة الحلقات الأولى، والإعتياد عليها يفتح الحاجة الملحة لبقية العناصر الدرامية التي إن أستمر غيابها ستؤثر على علاقة المشاهد بالمسلسل رغم كل ما فيه من جواذب كما حدث . و يبدو أن سبب ذلك، كما بدا في الحلقات العشر الأولى، غياب أوتغييب المؤلف و إستبداله بما سمي ( ورشة كتابة) الأمر الذي ينسف الروح الواحدة للدراما . و يبعثر ( لاوعي الحكاية) و يشتت الإحساس المتوالد من تشابك مشاعر المحاور والشخصيات المتعددة، كما أنه يضييع تفاعل الحوارات المتعددة، وهو التفاعل المتولد عن دفق الوجدان الإبداعي للكاتب الممسك بناصية الصراع الدرامي . مع التقدير للكتاب المشاركين في ورشة الكتابة، خاصة وأن هناك بعض المشاهد المتقنة والمعبرة والحرفية ، و لكنها لا تلغي تشتت روح و لاوعي النص، لغياب المؤلف الأساس الذي يجب أن تنساب عبره كل المشاركات . . لذلك ربما غياب المؤلف، أو تغييبه أثر وسيؤثر على إرتقاء جاذبية المسلسل . ومن الواضح أن دور المؤلف المعروف فؤاد حميرة غير مؤثر في ملئ مكانة المؤلف الخالق أو الجامع المبدع . و يظهر أنه غير مسؤول عن ذلك، كما بدا من ورود أسمه في الشارة . و كما جاء في تصريحاته عندما أعتذر عن كتابة هذا الجزء، مع تأكيده إعتزازه بالتعاون مع شركة الصباح . ( على كل حال سنعود لمناقشة قضية تغييب المؤلف والحلول محله في الدراما التلفزيونية في مادة مخصصة لذلك ) .
من الواضح أن شخصية ( جبل ) بأداء تيم حسن شكلت عبر الأجزاء الثلاثة السابقة محور جذب جمهور المشاهدين . و بات أداء تيم حسن سر نجاح هذا العمل بإخراج سامر برقاوي الذي عرف كيف يستثمر موهبة تيم بشكل كبير . وهذا يبرز طبعاً قيمته وتأثير وعبقرية أداء منى واصف كسنديانة العمل القوية . أما أداء الطيش من أويس مخللاتي فصار نكهة خاصة تعطي العمل مذاقاً جذاباً . أما غضب شاهين ونزقه فجاء ليكمل عمق الجاذبية اللأفحة . وتبقى روزالينا لاذقاني في دور منى تمنح إحساساً إنسانياً أعطى للمسلسل الكثير من المشاعر الإنسانية الرائعة … لكل ذلك نجد أن شركة الإنتاج ( الصباح ) كانت على حق، عندما اختارت إستكمال أجزاء المسلسل حول محور جبل ( تيم حسن) وهؤلاء النجوم الباهرين . و هذا إستثمار حكيم للنجاح، ولما يريده الجمهور، وهو بنفس الوقت فرصة هائلة لتقديم مستوى أعلى من حيث الإخراج والصورة والأداء . إلا أنه تراجع من حيث النص كما أظن . و هذا يجعل أي نجاح يعاني من العرج و هو عرج يؤثر على إستمرار متابعة المشاهدة ، وهذا عرج ضار ومؤذٍ لعلاقة المسلسل بالمشاهد مهما كان طفيفاً.
إن تشتت ( لاوعي الحكاية) عبر تغييب المؤلف الواحد ( أو الجامع) جعل فكرة العمل باهتة و ضائعة ( أقله حتى الثلث الأول) أمام قوة الشخصيات و أدائها . وإن صدق ظني فإن هذا الجزء يحاول إظهار تحول جبل إلى شخصية أكثر إجتماعية و أشد إرتباطاً بعائلته وأهل بلدته، عبر تظهير ( شهامة المتمرد) حيث أنه رغم كل إرتكاباته وجرائمه إن صحت العبارة ، فإنه يحمل شهامة مجتمعية وعائلية .. كانت مصائبه الشخصية المخمر الذي خمرها، وأظهرها في هذا الجزء . و رغم تواتر معانيها في أداء و تصرفات جبل، إلا أن باقي المحاور لم تلحظ هذه الفكرة . وكانت تصب في سياق يدفع جبل لإستكمال قصة عنتريات تتصارع، ومكائد تحاك لإبراز جديد للعنتريات المتواترة . وهنا تتضح مشكلة تغييب ( لاوعي النص) الواحد وتشتته فيؤثر في لاوعي المشاهد ويشتته وربما يتسبب بنفوره ..
يحمل مسلسل الهيبة الرد، إرتقاء فنياً في الإخراج و في الأداء التمثيلي و في الإنتاج الباهر . و كل ذلك يصب في مصلحة الدراما الشامية اللبنانية السورية . و يسجل لشركة الصباح إسهامها الفعال في هذا الإرتقاء . و هو إسهام أصيل وعريق وحديث ومبدع .
بوابة الشرق الأوسط الجديدة