مشاعل الحضارة التي أنارت طريق الإنسانية

 

عندما كانت القارة الأوروبية ساحة يغمرها الظلام في القرون الوسطى، كانت مشاعل الحضارة مُتقدة على أرض العرب، تفتح آفاقاً جديدة للإنسانية في شتى ألوان العلوم والآداب والفنون، وبين دفتي كتاب «كتب عربية ألهمت العالم»، الصادر حديثاً في المكتبات المصرية، نجد رصداً دقيقاً من الكاتب الصحفي سامح كُريّم، للكتب العربية التي ألهمت البشرية في القرون الوسطى.

وخلال 342 صفحة، هي عدد صفحات الكتاب، قدم كُريّم عرضاً موسوعياً وافياً للكتب العربية التي أثرت التراث الإنساني في مختلف المجالات، معتمداً في طرحه على كتابات أجنبية أنصفت الحضارة العربية وإنتاجها الفكري.

انطلاقاً من الأندلس، يبدأ المؤلف ربط خيوط التأثير العربي في الحضارة الأوروبية، باعتبارها في الأساس نقطة التقاء بين الحضارة العربية وبين أوروبا؛ حيث كانت مدنيّة الأندلس فاعلة في تشكيل العقل الأوروبي بشكل لم تقم به ثقافة أخرى، ويستدعي الكاتب هنا نموذجاً من هذه الكتب التي كان ينقلها النصارى المستعربون الذين كانوا يعيشون في المجتمع الإسلامي، إلى مواطنيهم في قشتالة؛ حيث تصاغ بالقشتالية وتنشر في سائر أنحاء الأندلس الإسبانية.

ومن أبرز الكتب التي نقلت من الأندلس إلى قشتالة، قصص ألف ليلة وليلة، ومن بينها قصة السندباد، التي لقيت نجاحاً باهراً في الأدب القشتالي، أيضاً تُرجم للقشتالية أثر أدبي وأخلاقي عظيم، هو كتاب «كليلة ودمنة» وأشرف على ترجمته الملك ألفونسو العالم الذي شغف بالآداب العربية، وتُرجمت في عهده آثار عربية كثيرة علمية وأدبية.

ولعلنا نستطيع أن نتلمس بعضاً من تأثير الآداب العربية في الحضارة الأوروبية عندما نعرف رأي الكاتب والفيلسوف الفرنسي فولتير، عندما قال عن قصص «ألف ليلة وليلة»، إنه لم يزاول فن القصة إلا بعد أن قرأ «ألف ليلة وليلة» 14 مرة.

بعد أن استهل المؤلف كتابه بالإنتاج الأدبي العربي، الذي وضعه في الفصل الأول، وعنونه «آداب العرب ونقدهم قبل أوروبا»، يأخذنا في جولة في رحاب الإنتاج العربي الفكري، لنستكشف في الفصل الثاني، الفنون العربية وتأثيرها في الفنون الأوروبية، أما الفصل الثالث فيستعرض العلوم الاجتماعية من الفلسفة وعلم النفس والتاريخ والسياسة والاقتصاد والجغرافيا، بينما في الرابع، نرى كيف أسهمت المؤلفات العلمية في الطب والكيمياء والفيزياء والرياضيات والفلك وغيرها من العلوم، في تطور الحضارة الغربية.

في الفصل الخامس من الكتاب، لم يغفل المؤلف تأثيرات التصوف العربي الإسلامي في نشأة التصوف الأوروبي، مشيراً إلى تأثر الشاعر الإيطالي الشهير دانتي أليجري في «الكوميديا الإلهية» بالمتصوف العربي الأندلسي الأشهر محيي الدين بن عربي، خاصة في جانب الحياة الأخروية، ثم ينتهي الكتاب في الفصل السادس باستعراض رموز الحضارة العربية من فلاسفة وأطباء وأدباء، وأبرزهم: ابن الكندي، ابن رشد، ابن خلدون، الفارابي، ابن سينا، الإمام الغزالي.

يبقى أن نشير إلى أن هذا العمل هو جهد دام نحو 30 عاماً؛ حيث بدأه الكاتب سامح كُريّم من عام 1981 إلى عام 2013 كمادة أسبوعية في جريدة الأهرام المصرية، تُنشر تحت عنوان «كتاب عربي أثر في الفكر الأجنبي»، وللكاتب نحو 35 مؤلفاً آخر. ر

 

 

مجلة البيان الإماراتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى