مشروع فدرلة سوريا بدأ قبل 4 سنوات

لا يزال الحديث يدور بشكل ملفت حول إمكانية “فدرلة” سوريا كأحد الحلول المطروحة وإن كان الكثير من الأطراف يتحدث عن هذا الأمر بطرق دبلوماسية مرنة.

الكل ينفي مشاركته في الحديث حول فدرلة سوريا. والبعض يدور حول الموضوع ولا يقترب من جوهره، خوفا من التاريخ الذي سيحاسب كل من ساهم في تفتيت الأرض السورية، وتقسيم السوريين طائفيا وعرقيا، وتشريدهم وتهجيرهم.

الأكراد كانوا أكثر صراحة ومباشرة في طرحهم حول الدولة السورية الفيدرالية. وبصرف النظر عن الصياغات، فالأكراد منذ فترة طويلة وهم يتعاملون على اعتبار أنهم يقومون بحكم المناطق التي يعيشون فيها حكما ذاتيا. فنائب رئيس هيئة الخارجية في مقاطعة كوباني (عين العرب) إدريس نعسان قال إن الأكراد سيعلنون الأربعاء 16 مارس/آذار قيام نظام فيدرالي في المناطق الخاضعة لسيطرتهم شمال سوريا.

وفي الحقيقة أسهب نعسان في توضيح الأمور بأن الإعلان عن قيام النظام الفيدرالي سيعني “توسيع إطار الإدارة الذاتية التي سبق أن شكلها الأكراد وآخرون” في شمال سوريا. أي أن المناطق التي ستنضم إلى النظام الفيدرالي ستسمى “اتحاد شمال سوريا” وسيكون فيه تمثيل لكافة العناصر الاثنية في تلك المناطق.

إن فكرة فدرلة سوريا، في واقع الأمر، ليست وليدة الصدفة، ولم تظهر للمرة الأولى على لسان نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف في 29 فبراير/ شباط 2016، وإنما ظهرت في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012. عندما توصل ممثلون عن التكتلين الرئيسيين لأكراد سوريا (حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي) خلال اجتماع في أربيل إلى اتفاق للوحدة بينهما من أجل العمل على إقامة اتحاد فيدرالي في سوريا.

ورأي أكراد سوريا في الأحداث الدائرة في سوريا آنذاك (أسموها حربا أهلية) فرصة لكسب الحقوق التي حرموا منها طويلا في عهد بشار الأسد ووالده من قبله والذي جرد الآلاف من الجنسية، حسب التعبيرات التي قيلت آنذاك. وتحت ضغط من الزعيم الكردي العراقي مسعود البرزاني اجتمع ممثلون عن الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي وجددوا التزامهم بمجلس أعلى مشترك. وقال عضو الهيئة الكردية إلدار خليل: “لقد اتفقنا على تبني الفيدرالية كمشروع عمل”.

منذ 4 سنوات أعلن المشاركون في الاجتماع المذكور أعلاه، أنهم سينشئون جهازا أمنيا مشتركا ويديرون معا حواجز تفتيش حدودية ويقومون بتوحيد أجنحتهم العسكرية. غير أن الانشقاقات والخلافات بين الأحزاب الكردية بشأن قضايا كثيرة عطلت أو أجلت كل هذه الاتفاقات، إلى أن باتت الظروف مواتية، من وجهة نظر الأكراد، لإعلان ليس الحكم الذاتي، بل فدرلة المنطقة التي ينوون إعلانها ضمن دولة سوريا. وذلك بعد أن تم استبعادهم عن مفاوضات جنيف.

هناك إشارات مهمة بشأن المناطق الثلاث التي أعلنها الأكراد منذ عامين، مناطقَ تتمتع بالحكم الذاتي. كما أن ممثلة أكراد سوريا في دول أوروبا سنام محمد أكدت أيضا أن ممثلي جميع المكونات الإثنية للمناطق التي يسطير عليها الأكراد، سيبحثون، اليوم الأربعاء، مشروع “كيان ديمقراطي فيدرالي”. واعترفت في الوقت نفسه بأن “هذا المشروع مطروح منذ فترة، وهناك لجنة معينة بإعداده تضم قرابة مئة شخص من ممثلي العرب والتركمان الأكراد”.

بصرف النظر عن مناقشة هذا الموضوع اليوم أو في وقت لاحق، فالفكرة موجودة والعمل عليها يجري منذ سنوات طويلة. أي أن أحداث السنوات الأخيرة، وأشكال المفاوضات واللقاءات التي تجري، والصراعات الإقليمية والدولية، والداخلية السورية قبل كل شئ، ساعدت في تحقيق الفكرة جزئيا وفي تقدمها على أرض الواقع. بينما تبقى الأبواب مفتوحة أمام طوائف وأقليات وأعراق أخرى لبحث مستقبلها أيضا بنفس الطريقة ونفس النسق. ومثال الفيدرالية الهشة الموجود في العراق قد يكون مثالا خطيرا يحتذى به لتتحقق توقعات مراكز الدراسات الغربية التي تحدثت عن عدم وجود دولة اسمها العراق، وأن سوريا على الطريق، بينما ليبيا تكاد تخرج عن جغرافيا شمال أفريقيا.

روسيا اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى