مشروع قناة السويس يثير جدلاً
لم يضيّع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الوقت. فقبل مرور شهرين على توليه الرئاسة رسمياً، كان يطلق أحد المشاريع القومية الكبرى التي وعد بها قبل تسلّمه الحكم، ليؤكد لناخبيه أنه سينتقل بمصر إلى عصر جديد، وستكون مصر كما وعد “قدّ الدنيا”.
المشروع الضخم الذي أطلقه السيسي أمس الأول، حاول من خلاله استعادة أجواء الستينيات الناصرية التي انطلقت فيها مشاريع البناء الكبرى، داعماً الدعاية التي جعلته امتداداً لجمال عبد الناصر.
وسبق أن طرح مشروع تطوير منطقة قناة السويس والمجرى الملاحي في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ولكنه لم يلق اهتماماً، وأجريت الدعاية له في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، ولكنه ووجه بمعارضة شديدة بسبب الإطار القانوني الذي طرح من خلاله، والذي جعل مرسي متحكماً فيه، كما أنه لم يراعِ، كما أثير ساعتها، ضرورات الأمن القومي المصري.
تطوير منطقة القناة ومجراها الملاحي، كما طرحه السيسي، في الإسماعيلية تضمّن ثلاثة محاور رئيسية. أولها، تطوير المجرى الملاحي الذي يمتدّ بطول 190 كيلومتراً، وهي المسافة التي تصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر.
ويتضمن التطوير 72 كيلومتراً، منها حفر 35 كيلومتراً مجرى جديداً لخلق ازدواج في مسار السفن العابرة في القناة، والتي كانت تضطر للانتظار أكثر من 11 ساعة حتى تمر السفن في الاتجاه العكسي، بالإضافة إلى 37 كيلومتراً توسيع وتعميق في المجرى الحالي حتى يُسمح بعبور السفن العملاقة، وهو ما يعني زيادة إيرادات القناة من خمسة مليارات دولار سنوياً إلى 13 ملياراً في التقديرات الرسمية.
وبرغم أن تلك الأعمال كان من المقرّر أن تستغرق ثلاث سنوات، إلا أن السيسي أصرّ على أن تنتهي في عام واحد، وهو ما أدى إلى زيادة عدد الشركات العاملة في المشروع.
المحور الثاني للمشروع هو توفير الخدمات البحرية والتي تضمن بناء موانئ جديدة وتطوير موانئ موجودة بالفعل، بالإضافة إلى أربعة أنفاق بحرية وتطوير المنطقة المحيطة بالقناة وتزويدها بالمرافق والخدمات الضرورية.
أما المحور الثالث، فيتضمّن توفير الخدمات اللوجستية على جانبي المجرى الملاحي، وهو ما يحقق بحسب ما اصطلح عليه القيمة المضافة، فتتحول القناة من مجرد ممر مائي إلى مركز تجاري وصناعي، تتوافر فيه خطوط التجميع والتعبئة والتغليف للبضائع المارة به، ويتضمن أيضاً الصناعات التصديرية التي يمكن أن تستفيد من الميزة التنافسية بوجودها قرب الممر المائي التجاري.
المشروع يستلهم تجارب ناجحة في هذا الاتجاه مثل موانئ دبي وسنغافورة، وهو بمحاوره المختلفة، بحسب الخطاب الرسمي، سيخلق مليون فرصة عمل جديدة في بلد تُعَدّ البطالة من أكبر مشاكله.
الطريقة التي طرح بها المشروع والدعاية الوطنية التي أحاطت به رفعته إلى مصاف المشاريع الكبرى التي تحققت في تاريخ مصر الحديث، حتى أن البعض اعتبره “التأميم الثاني” لقناة السويس، أو قناة السويس الجديدة، وجرى وصفه بـ”الهرم الرابع”، على عكس ردود الأفعال التي واجهت مشروع مرسي والتي اعتبرته إهداراً للأمن القومي المصري ومحاولة لفتح الطريق أمام التدخل الخارجي.
ممدوح حمزة، أستاذ الهندسة في جامعة قناة السويس، يقول في حديث إلى “السفير” إنه “لا يوجد أي شبه بين مشروع مرسي ومشروع السيسي، فمشروع مرسي كان يقوم على حفر مجرى موازٍ لقناة السويس في شرق القناة على مسافة 15 كيلومتراً، وهو ما تحفظت عليه القوات المسلحة لأنه يجعل مهمة الدفاع عن سيناء صعبة، إذ كان من شأنه أن يجعل بين الجيش المصري وسيناء حاجزين مائيين يصعب اجتيازهما إذا وجد تهديد. كما أنه لم يكن واقعياً”.
ويضيف حمزة “كانت هناك مشاريع أخرى منافسة لقناة السويس تكرّر الحديث عنها، مثل مشروع يمتد من إيلات إلى صحراء النقب في فلسطين، حيث يُبنى ميناء ضخم، وتنقل منه البضائع بالسكة الحديدية إلى ميناء أسدود على البحر المتوسط، كبديل لقناة السويس”، مشيراً الى أن “تنفيذ المشروع الذي أطلق في مصر أمس الأول وبسرعة سيقضي على المشروع الاسرائيلي وغيره من المشاريع المنافسة، نظراً إلى الميزة التي تتوافر في قناة السويس. حتى الطرق البديلة مثل طريق القطب الشمالي وطريق رأس الرجاء الصالح، يصعب أن ينافسا قناة السويس بعد التطوير، سواء لطول المسافة وبالتالي ارتفاع التكلفة، أو لصعوبة المناخ الذي لا يسمح بالملاحة طوال العام”.
ويؤكد حمزة أن إنجاز المشروع في الوقت المقرّر ممكن، وأن التحدي الأهم للمشروع ليس إقليمياً أو دولياً، “فلا أحد يستطيع أن يتغلّب على إرادة شعب. ولكن التحدّي الحقيقي هو البيروقراطية والجهل والفساد”.
المشروع الطموح أنعش حماساً كبيراً بالفعل، فالأمين العام السابق لـ”اتحاد المقاولين” محمد أبو العنين قال لـ”السفير” إن “المشروع عبارة عن قناة جديدة، وقد يكون أكبر، شرط أن تنجز المراحل الموضوعة بالفعل”، مشيراً إلى أن “الموانئ الجديدة والمنطقة الحرة ستخلق قفزة مثل دبي وجبل علي وغيرها من المراكز التجارية العالمية”. وأضاف “نحن مستعدون للعمل ليل نهار من أجل اختصار الوقت اللازم. يمكن ضغط الوقت عن طريق زيادة المعدات وورديات العمل. ولكن ينبغي دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع وتوفير التمويل بالاعتماد على الداخل، الرئيس قال نريد توفير مئة مليار جنيه، لذا يجب أن نوفرها”.
ولكن الحماسة التي صاحبت إطلاق المشروع صاحبها قلق وتحفظات.
وفي هذا الإطار، أوضح الباحث في معهد “كارنيغي” عمرو عدلي لـ”السفير” أنه “توجد ملاحظات أكثر منها تحفظات، لأن المشروع لا يزال غامضاً وغير واضح التفاصيل”. وأضاف “لم نر مشروع القانون الذي سينظم العمل في المشروع بعد، كذلك لم نر الدراسات التفصيلية للمشروع بمحاوره المختلفة”. وتابع “هناك درجة من الغموض حول المشروع. لقد تمّ تقديم المشروع جيداً على مستوى البروباغندا. ولكن هذا لا يكفي. التمويل مثلاً غير واضح، ولا يكفي إطلاق دعوة لجمع مئة مليار جنيه”.
وأشار الباحث الى انه “لا يمكننا المقارنة بين مشروع السيسي ومشروع مرسي، لأن كلاً منهما غامض. كما أنه لا يوجد برلمان، ولم يجر حوار اجتماعي بين الجهات الشعبية والأكاديمية.. ولذلك فإن كل الوقت مبكر لإصدار أحكام. فقط نستطيع أن نضع ملاحظاتنا حتى يزول الغموض عن المشروع”.
في الاتجاه نفسه ذهب البيان الصادر عن “الجبهة الشعبية لمحور قناة السويس” والتي تتبنى تطوير منطقة القناة وتطالب به.
وانتقد البيان الطريقة التي أطلق بها المشروع، مشيراً إلى ان “الإعلان عن المشروع جاء مخالفاً لتوقعاتنا، فهو لم يعلن عن التحالف الفائز (بتنفيذ الأعمال)، وكنا نفضل أن نرجئ الاحتفال حتى ننتهي من الخطوات القانونية المطلوبة”.
صحيفة السفير اللبنانية