مشروع لوقف انهيار صناعة الدراما التلفزيونية السورية
دمشق ــ خاص بوابة الشرق أوسط الجديدة:
يحتاج أي مشروع صناعي أو تجاري أو فني إلى مجموعة معطيات لنجاحه من بينها جودة المنتج وقدرته على التنافس، ومن ثم توفر السوق التي يجري من خلالها تصريفه أو تسويقه، وإذا كان لابد من الحديث عن المنتج الدرامي السوري باعتباره سلعة تحتاج إلى سوق، فإن من المفترض الحديث عن مقومات نجاح صناعته واستمرارها وملامح تسويقه وعلاقة هذا المنتج برؤوس الأموال الموظفة ومردودها.
في الآونة الأخيرة تتنامى الشكاوى جراء مايمكن تسميته (بكساد) الانتاج الدرامي السوري، فالمنتج الذي وُظفت في سبيل تقديمه إلى السوق مئات ملايين الليرات لايستطيع استرداد رأسماله الأصلي (الانتاج العام والخاص)، ولم يعد قادرا على منافسة غيره، وهي مشكلة قائمة بذاتها، وحاولت الجهات المختصة حلها بالإيعاز للتلفزيون بشراء كل الأعمال لتشجيعها دون فائدة، وظلت الأزمة قائمة، وتنامت، وعادت فزادت من تردى حال الدراما. بل وتمكنت أنواع من الدراما العربية المستجدة والغربية المدبلجة من الدخول إلى حيز المنافسة فأنهكت الانتاج وجعلت الصيحات تتعالى والانتقادات تزداد..
لم يكن أمام وزارة الاعلام إلاّ اللجوء إلى قرارات تشجيعية كما أعلن وزير الاعلام محمد رامز ترجمان في آخر تصريحاته وإقامة معارض عربية للدراما في بيروت أو تونس، والمراهنة من جديد على أن تقوم محطات تلفزيونية سورية خاصة قيد الانشاء بشراء هذه الأعمال ..
لم ينتبه المعنيون بصناعة الدراما التلفزيونية إلى أن نشوء الدراما التلفزيونية السورية في العقود الثلاثة الأولى من بداية التلفزيون، لم يأخذ بعين الاعتبار الجدوى الاقتصادية، ولا حتى التفكير بالتدخل السياسي أو الدبلوماسي (وقتها) لعرضها في التلفزيونات الشقيقة (مصر مثلا). على العكس تماما، كان القرار السوري هو إنتاج الأعمال الدرامية لعرضها للمشاهد المحلي، أي لتسويق الفن السوري محليا مع ما يحمله من رسائل ثقافية واجتماعية وأخلاقية وحتى وطنية وسياسية .
فجأة اتسعت دائرة الانتاج ودخل الرأسمال المحلي والعربي في العملية الانتاجية التي أحدثت فورة كبيرة، وجعلت الانتاج (لاحظوا هذه العبارة) جعلت الانتاج الجديد يقطف نجاحات الدراما الأولى وينطلق لصناعة رائجة بلا هوية سوى هوية السوق العربي !!
في الآونة الأخيرة ومع اتساع تجربة الانتاج الدرامي التلفزيوني العربي، وظهور ماعُرف بمقاطعة الدراما السورية، إضافة إلى تركة الخلافات بين المخرجين والمنتجين السوريين مع التلفزيونات العربية وأصحاب رؤوس الأموال، وتردي السمعة والعلاقة معا ، بدأنا نسمع عن أزمة عميقة، وفي حقيقة الأمر كانت الأزمة أزمة الرأسمال الموظف في الانتاج الدرامي ولم تكن أبدا في الدراما نفسها، ومع ذلك انعكس هذا النوع من الأزمات على مضمون الدراما وشكلها وهويتها ومضمونها ..
فهل نحتاج إلى حل نوعي، أم إلى سوق تتسع آفاقه، وبالتالي، يجد المستثمرون حلا للكساد الذي وقعوا فيه؟ هذه النقطة كانت على مائدة الحوار الدائم في مؤسسة الانتاج الدرامي الإذاعي والتلفزيوني التي كانت الكاتبة ديانا جبور مديرها العام، وسيجدها الدكتور ماهر خولي على الطاولة أيضا عند الشروع بعمله بعد أن تولى الادارة العامة بدلا عن السيدة ديانا، وقد نفى الطرفان وجود أي خطة للحل في الظروف الحالية، كذلك واجهت مديرية الانتاج في التلفزيون الأسئلة نفسها، رغم محاولة مديرها الاعلامي تميم ضويحي إطلاق أعمال تتعلق بالحرب بالممكن المتوفر في الموازنة المتواضعة لمديريته…
ماذا لو عادت الدراما إلى أصلها، أليس في ذلك أفضل سبل الحل، وكيف يتم ذلك؟
أولا : التأكيد على هوية الدراما السورية الوطنية التي انطلقت على أٍساسها، ووضع أسس جديدة لها تتماشى مع التطورات التي حصلت في الآونة الأخيرة .
ثانيا: حصر الدعم بمنتج القطاع العام، ورفع التوظيفات المالية إلى أقصى حد، بعد دمجها بما كان يدفع للمنتج الآخر ..
ثالثا: دعم الأعمال المنتجة خارج الهيئة بشراء المميز منها فقط والذي يخضع لشروط الجودة.
رابعا : العمل على الخط الآخر الذي تحدث عنه وزير الاعلام بتشجيع الدراما عبر المعارض والجوائز وغيرها ..
إن البنى التحتية الموجودة في مؤسسة الانتاج الدرامي ومديرية الانتاج في التلفزيون قادرة فعليا على قطع الشوط الأول لتحقيق القفزة الأولى في تجاوز أزمة الكساد، ريثما تفرز نهايات الحرب أجواء استثمارية جديدة وجوا عربيا يفك الحصار عن المنتج الدرامي السوري (إذا كان جديا) ضمن آليات فك الحصار الشامل عن سورية الذي بدأ يرسم ملامحه!