مشفى بحجم بلد

المجنون الحديث هو من يعتقد أنه…عاقل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطرقة الصينية…مدقّة المسامير ونازعة المسامير، مثلها مثل كل المطارق المستعملة في عالم المسامير من كافة الجنسيات والبلدان…
يجب أن تدق المسمار، وهو يعاند الدخول في الخشب، ولكن ليس من بين التوقعات أن تنكسر المطرقة، وينجو المسمار.

في بلادنا يحدث ذلك. المسمار يصمد والمطرقة تنكسر، وهنا ليس المقصود المحمول الرمزي لما يحدث…بل تماماً هذا ما يحدث للاثنين، بيد النجار: مطرقة تنكسر ومسمار يصمد . والسبب هو الغش في اختيار البضاعة الصينية، وكأن المستورد ـ التاجر يوصي المعمل الصيني برمي زبالته الحديدية الخالية من شرط الاستعمال ، على بلدان تشكو، في ظلال الفساد والحروب من انعدام الضمير، لتزداد شماتتها بالمطرقة وإشفاقها على المسمار.

شكا، باستغراب، مدير معمل صيني، متعدد الإنتاجات، بأن التاجر العربي على مائدة العشاء يتقزز من اللحم غير المذبوح على الطريقة الإسلامية، ولكنه يقول للمدير الصيني في نهاية العشاء: أرجو ألا تنسى ما طلبناه منك…الكتابة على البضاعة: “صنع في ألمانيا” ـ ويقول المدير: أنا لا أستطيع أن أفهم هذا الدين الذي يحلّل الغش بالأفعال الجارية، ويحرّم اللحم بالكلمات الناقصة، و الصيني المتقزز أيضاً هو، بدوره، يقبل تصدير مطرقة يهزمها مسمار.

نحن غشاشون محترفون. وبصراحة هذا جزء من حضارة منحطّة فيما يتعلق ببناء أهرامات الأخلاق ، المؤسسة، أصولاً، على قاعدة البقاء الطويل. ففي البلدان الرأسمالية لا تتجاوز التجارة قواعد التنافس الذي يفرز، في السوق ، البضاعة فيروج الأفضل. وفي كل الدنيا: التجارة تجارة، أما “الشطارة”، التي هي إحدى صفات الغش… فشأن آخر.

لا يوجد، في عالمنا العربي، ما هو غير مزيف، بهذه النسبة أو تلك. ثمة آلاف شهادات الدكتوراه المزورة والمشتراة من السوق الأكاديمي. ثمة رجل سلاح دولي ومهرب مخدرات مطلوب للأنتربول، قدم له” عزرائيل ” خدمة جليله ، بأن قبض أخاه التوأم، فحلّ هو محله في السجلات، حيث مات هو في السجلات، وعاش في هوية الأخ، وتابع تهريب الأسلحة والمخدّرات.

هذه شيزوفرينيا جماعية…ليست ناتج الحرب وحدها ، بل هي أمراض تتراكم بالتواطؤ والقبول والفوضى والفساد. وتغدو الإصابة جائحة مرضية عامة، وليس مرضاً فردياً خاصاً.

عام 1982… صديقي الطبيب، الخريج حديثاً ، ذهب إلى فرنسا للتخصص، سألني عن الاختصاص المفضل من وجهة نظري. قلت له بين المزح والجد:
“طبيب علاج نفسي”

ضحك وسألني: لماذا؟

فقلت بين الجد المؤلم والمزح المؤلم أيضاً:

عندما تنهي اختصاصك وتعود إلى هذه البلاد، تكون سورية قد صارت “عصفورية” !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى