مصابيح دبي” تجارب حية في ثوب قصصي
يستمد هيثم العقيلي مواضيعه في مجموعته القصصية “مصابيح دبي” من تجارب حياته الخاصة، ويقدم ما هو مزيج من الوصف والشهادة الحية على وقائع عاشها بصورة شخصية مباشرة، أو تخيَّل وجودها منطلقًا من حقائق الواقع المعاش. جاءت المجموعة الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمّان في ثلاث وستين صفحة من القطع المتوسط، وحمل غلافُها لوحةً يظهر فيها برج خليفة في مدينة دبي، لتتناغم الصورة مع عنوان المجموعة كاملة ولعل تجربة العقيلي خلال إقامته في إمارة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة ظهرت أوضح ما يكون في القصة التي حملت الاسم نفسه، فكانت أكثر القصص التصاقًا بتجربته الشخصية المعاشة.
يقول العقيلي: “وتبقى دبي مدينة الشباب الحالمين القادمين من بقاع الأرض، تعطيك الكثير، لكنَّ سرعة الحياة والطموح والأمل قد تؤجل مشاريع الارتباط وتكوين أسرة. وتمضي بك السنون متعودًا على حرية الحياة الفردية التي لا تقف حاجزًا أمام انتقالك من عمل لآخر إذا حقَّق لك امتيازات أفضل”.
غير أن الفضاء المكاني للمجموعة القصصية كان ممتدًّا بامتداد قضايا الكاتب، واختلط فيه الواقع بالخيال؛ فبرزت أمكنة مفترضة جسدت رؤى الكاتب ذات الأبعاد الاجتماعية والسياسية على حد سواء، وحملت رؤاه النقدية التي لا تجامل أحدًا.
يصف العقيلي أحد هذه الأمكنة المفترضة قائلًا: “شارع الرومان يمتدُّ لمسافة كيلومتر واحد. يفصل المرتفع المستوي عن انحداره وما يلي المنحدر من سهول زراعية. مثَّل الشارع عبر التاريخ خطَّ المواجهة في الصراع الطبقي بين سكان حي مرتفع العلي (من العلو) وسكان حي الورد في المنحدر والسهول. تقلَّب على الحيين سكانٌ وأعراق ومهاجرون ومهن، وبقي شارع الرومان خطًّا فاصلًا بين الغنى والفقر، بين الكفاية والحاجة، بين القوة والضعف، وبين حُسن الحظ وبؤسه”.
ويظهر الواقع كما هو بحقائقه النفسية والاجتماعية الصادمة؛ إذ تحمل القصص قضايا ذات علاقة بالنفس الإنسانية في ما يعتريها من مرض وضعف، أو ما تؤول إليه المجتمعات من فساد وخراب.
يقول العقيلي في رؤية نقدية مباشرة: “كما عودتنا الأيام أن المسؤول لا يفنى ولا يستحدث ولكن يتنقل من منصب إلى آخر، فهو كُشفَ عنه غطاء المعرفة والإدارة والعلوم، بالتالي هو الفاهم بالطب والهندسة والتعدين والتجارة والاقتصاد والتسويق والسياحة، بل حتى العلوم الشرعية والزراعة والثقافة. وما فشل أيّ مؤسسة تحت إدارته إلا لخلل في المؤسسة نفسها”.
ويحمّل المجتمع قسطا من المسؤولية التي قد ينجم عنها تدمير الفرد: “إذن أستاذنا فإن ما يفعله المجتمع ليس فقط مفهومًا خاطئًا بل تدميريًّا بإلقائه اللوم والاتهامات على الضحية، فيجردونه أو يجردونها من آخر أسلحة المقاومة النفسية؛ تمامًا كما حدث مع ذلك الشاب النحيل عندما استهزأ به محيطه وتنمَّر عليه وكلَّله بالعار وهيثم العقيلي طبيب استشاري في جراحة الدماغ والأعصاب، ويحمل درجة الدكتوراه في العلوم العصبية وعلم الصرع، وسبق له أن عمل أستاذًا مشاركًا في كلية الطب في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية. وهذه المجموعة هي باكورة إصداراته الأدبية.
ميدل إيست أون لاين