مصر: «الإخوان» في مواجهة الشارع!

 
 

كرّست جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر انتقالها من موقع المضطهَد المحكوم إلى موقع المضطهِد الحاكم، بلجوئها إلى اساليب مشابهة كالتي استخدمها نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك في قمع معارضيه – ومن بينهم «الجماعة المحظورة» وقتها – وذلك لمنع أي تحرك ضد رئيسها محمد مرسي، الذي بدأ يواجه حركة اعتراض جدية في الشارع لأسباب عدة، أبرزها عدم التزامه بمبدأ الشراكة مع القوى السياسية في وضع الدستور الجديد، وانتهاجه سياسات اقتصادية لا تختلف في الجوهر عن سياسات النظام السابق، وإخفاقه في تحقيق أهداف «خطة المئة يوم» التي وعد بها خلال حملته الانتخابية، وصولاً إلى محاولته احتواء جريمة حكم البراءة للمتهمين بقتل الثوار عبر ارتكاب جريمة لا تقل خطورة وهي استباحة السلطة القضائية.
وفي مشهد أعاد إلى الأذهان أحداث «موقعة الجمل»، التي قتل وجرح فيها عشرات المتظاهرين في ميدان التحرير في الأيام الأولى لـ«ثورة 25 يناير»، والتي صدرت الأحكام ببراءة المتهمين بارتكابها والتحريض عليها، هاجم مؤيدون لـ«الإخوان»، أمس، مئات المتظاهرين الذين توافدوا إلى الميدان للمطالبة بـ«دستور لكل المصريين» في إطار ما أسموه «جمعة كشف الحساب»، ما أدى إلى اندلاع مواجهات عنيفة، أصيب خلالها نحو 120 متظاهراً بجروح.
وبدأت الاشتباكات عندما عمد مؤيدو «الإخوان» إلى رشق معارضيهم بالحجارة والزجاجات الفارغة رداً على هتافات أطلقت ضد الرئيس المصري ومرشد «الإخوان» محمد بديع، قبل أن يحطموا منصة «التيار الشعبي» الذي يتزعمه المرشح السابق للرئاسة حمدين صباحي.
واستقبل المتظاهرون اعتداء مناصري «الإخوان» بإطلاق هتافات من بينها «بيع بيع بيع… الثورة يا بديع»، و«يا مرسي ارحل غور… خلي مصر تشوف النور». وفيما سعى بعض شباب «الإخوان» لاحتواء الموقف عبر إطلاق هتاف «إيد واحدة»، رد عليهم آخرون بهتاف «إيد وسخة».
إثر ذلك، أقام مناصرو «الإخوان» طوقاً أمنياً حول مداخل ميدان التحرير لمنع المتظاهرين من الوصول إلى الميدان، ما أشعل مواجهات عنيفة بين الجانبين تركزت خصوصاً في شارع طلعت حرب، وشارع محمد محمود، وميدان عبد المنعم رياض.
وبحلول العصر سعى «الإخوان» لحشد قوتهم عند مداخل ميدان التحرير، تزامناً مع وصول مسيرات أخرى للقوى المدنية، فوقعت مواجهات أخرى انتهت مساءً بانسحاب مؤيدي مرسي من ميدان التحرير.
وسجل إحراق حافلتين معدتين لنقل متظاهري «الإخوان» عند ميدان عبد المنعم رياض. كما شهدت المواجهات في الميدان استخدام قنابل «المولوتوف» والحجارة والزجاجات الفارغة، فيما تم الإبلاغ عن استخدام «الخرطوش» وقنابل الصوت ضد المتظاهرين المعارضين لمرسي. وذكرت مصادر طبية أن عدد الإصابات جراء الاشتباكات في ميدان التحرير وصل إلى نحو 120 إصابة.
ودعت بعض القوى السياسية، ومن بينها «التيار الشعبي» و«حزب الدستور» الذي يتزعمه محمد البرادعي، إلى الانسحاب من ميدان التحرير، ونقل التظاهرات إلى ميدان طلعت حرب «حقناً للدماء»، منددة بما يحدث في الميدان.
وندد «التيار الشعبي» و«حزب الدستور» بالاعتداءات «الهمجية» التي شنها أعضاء «الإخوان» على المتظاهرين السلميين، محملين محمد مرسي ومكتب الإرشاد في «الإخوان» مسؤولية ما حدث.
وقال رئيس «حزب التجمع» رفعت السعيد إن «الفاشية الإخوانية اليوم تظهر على حقيقتها، فهم يريدون نائباً عاماً يحميهم، ويحتشدون في ميدان التحرير ليمنعوا المواطنين من التعبير عن رأيهم، لكن الشعب لن يستسلم لهم وسيلقنهم الدرس»، فيما قال المرشح اليساري السابق للرئاسة خالد علي إن «ما تفعله جماعة الإخوان في ميدان التحرير لا يقل استبداداً عما كان يفعله الحزب الوطني يوم موقعة الجمل».
وكان لافتاً عدم صدور أي تعليق من الرئاسة المصرية على ما حدث في التحرير، باستثناء بعض التعليقات من قبل مستشاري الرئيس، ومن بينهم باكينام الشرقاوي التي قالت إن المواجهات «لا تخدم إلا أعداء الثورة، وتلطخ ثوب الديموقراطية الوليدة»، مشددة على أن هذا وقت تحكيم صوت العقل وإعلاء روح الثورة، فيما كتب أيمن الصياد عبر موقع «تويتر» إن «موقعة الجمل كانت صداماً بين أنصار النظام ومعارضيه. وللأسف ما يشهده الميدان الآن أيضاً صدام بين أنصار النظام ومعارضيه… لا تعليق».
أما جماعة «الإخوان المسلمين» فاتسمت تصريحات قيادييها بإرباك كبير وتضارب واضح. ونفى المتحدث باسم «الإخوان» محمد غزلان الاتهامات الموجهة إلى الجماعة بأنها السبب في اندلاع الاشتباكات، مؤكداً عدم وجود أي متظاهر «إخواني» في ميدان التحرير.
غير أن تصريحات قياديين آخرين في «الإخوان» دحضت ما قاله غزلان، إذ دعا نائب رئيس «حزب الحرية والعدالة» عصام العريان مؤيدي الحزب في ميدان التحرير إلى التظاهر أمام دار القضاء العالي دعماً لقرار مرسي إقالة النائب العام عبد المجيد محمود.
يأتي ذلك في وقت تصاعدت فيه حدة التوتر بين «الإخوان» والقضاء المصري، بسبب القرار الذي اتخذه مرسي، أمس الأول، بإقالة النائب العام عبد المجيد محمود، على خلفية أحكام البراءة التي أصدرتها محكمة مصرية لمصلحة المتهمين الخمسة والعشرين في قضية مقتل المتظاهرين في الثاني والثالث من شباط العام 2011، أي في الأيام الأولى لـ«ثورة 25 يناير»، والمعروفة إعلامياً باسم «موقعة الجمل».
وقال النائب العام المصري، في تصريحات صحافية يوم أمس، إنه متمسك بموقعه الوظيفي «دفاعاً عن الحصانة القضائية»، وذلك «طبقاً لقانون السلطة القضائية الذي ينص على عدم جواز عزل النائب العام أو نقله من وظيفته إلا بناء على طلبه».
وكشف محمود عن تفاصيل الأزمة، وقال إنه تلقى اتصالات هاتفية حملت تهديدات له بصورة مباشرة وغير مباشرة وترغيباً له للاستقالة من منصبه، مشيراً إلى أن وزير العدل أحمد مكي ورئيس محكمة النقض السابق حسام الغرياني اتصلا به من مقر رئاسة الجمهورية لهذه الغاية.
وأضاف إن مكي أبلغه صراحة أن التظاهرات التي ستخرج في محافظات مصر كافة ستطالب بإقالته من منصبه، وبالتالي فإنّ عليه أن يترك منصبه على الفور، فيما طلب منه الغرياني الاستقالة تحت ذريعة «خطورة الموقف».
من جهته، قال مقرر لجنة الإعلام في نادي القضاة المستشار محمد عبد الهادي إن مئات القضاة توجهوا بصحبة رئيس النادي المستشار أحمد الزند إلى منزل النائب العام للتأكيد على دعم موقفه والتعبير عن اعتراضهم على قرار إقالته، فيما قرر 2600 عضو في النيابة العامة التوجه اليوم إلى مكتب النائب العام في دار القضاء العالي للتعبير عن رفضهم قرار مرسي.
وفي خطاب ألقاه في مدينة الإسكندرية، التي شهدت أيضاً تظاهرات مناهضة لـ«الإخوان»، شدد مرسي على أنه لن يترك أحداً على الإطلاق ممن أفسدوا وأجرموا في حق الوطن سواء في الداخل أو الخارج من دون محاسبة، على أن يتم ذلك بالقانون، مضيفاً «أعيننا مفتوحة وقواتنا مستعدة في كل مكان».  يأتي ذلك، في وقت ذكرت مصادر أمنية أنه تم الإفراج، أمس، عن الرئيس الأسبق لمجلس الشعب فتحي سرور، وهو أحد المتهمين في قضية «موقعة الجمل».

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى