مصر: «الديبلوماسية الشعبية» تطرق أبواب روسيا (مصطفى صلاح)

 

مصطفى صلاح

«نحن نعمل حالياً على 192 سكة لا على سكتين». هكذا تحدث وزير الخارجية المصري نبيل فهمي للصحافيين، في معرض حديثه عن العلاقات المصرية – الأميركية والمصرية – الروسية ما بعد «ثورة 30 يونيو»، وذلك خلال لقائه الأخير مع وزير الخارجية الاميركي جون كيري في واشنطن منتصف أيلول الماضي.
وفي ما بدا تنفيذا عمليا لهذا التصريح، وبعد اربعة أيام فقط من صدور القرار الأميركي بتعليق جزء من المساعدات لمصر، أعلنت، أمس مجموعة من الشخصيات العامة المصرية، عن تنظيم وفد شعبي لزيارة روسيا، في الثالث والعشرين من تشرين الأول الحالي، لإجراء محادثات مع عدد من المسؤولين الروس، بما في ذلك الرئيس فلاديمير بوتين، وذلك بهدف توطيد العلاقات الديبلوماسية بين القاهرة وموسكو.
ويضم الوفد رئيس اتحاد كتاب مصر والمتحدث الرسمي باسم «لجنة الخمسين» المكلفة تعديل الدستور الدكتور محمد سلماوي، الذي تربطه علاقات وثيقة باتحاد الكتاب الروس، وعبد الحكيم عبد الناصر، ابن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والقيادي السابق في جماعة «الإخوان المسلمين» ثروت الخرباوي، وسفير مصر السابق لدى موسكو رؤوف سعد، والفنان عزت العلايلي، والناشط العمالي حسام فودة، الذي تربطه ايضا علاقات قوية باتحاد العمال في روسيا.
ويضم الوفد أيضا رئيس اتحاد المحامين العرب نقيب المحامين المصريين سامح عاشور، واستاذ العلوم السياسية جمال زهران، والفنانة هند عاكف، ومديرة المركز الثقافي الروسي ثناء الأسيوطي، ورجل الأعمال كامل أبو علي .
وقال الخرباوي، في حديث إلى «السفير»، إن «الزيارة تم تنسيقها مع السفاره الروسية في مصر منذ اسابيع، والهدف منها توطيد العلاقات المصريه الروسية، وإعادتها الى ما كانت عليه في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ولكنها جاءت في موعدها خاصة بعد قرار السلطات الاميركية بوقف المساعدات».
واضاف الخرباوي ان الزيارة ستستغرق ثلاثة أيام، وستتضمن لقاءات بعدد من المسؤولين الروس، لافتا إلى أن الوفد حصل على وعد من السفير الروسي لدى القاهرة بترتيب موعد للقاء الرئيس فلادمير بوتين في اليوم الثاني من الزيارة.
وأشار الخرباوي إلى أن «العلاقات بين مصر وروسيا تمتد لأكثر من 60 عاماً، والتوتر الذي حدث بعد زيارة الرئيس المعزول محمد مرسي هو ما دفعنا لاتخاذ قرارنا بالسفر الى هناك».
يذكر أن لجنة «الديبلوماسية الشعبية» تشكلت في مصر بعد «ثورة 25 يناير»، في محاولة لملء الفراغ السياسي في علاقات مصر الدولية. وقد خرجت هذه الفكرة من رحم «البرلمان الشعبي». وتضم اللجنة في عضويتها 56 شخصية من مختلف أطياف وتيارات المجتمع السياسية، وسبق ان قامت بزيارات عدّة الى دول افريقية وعربية بعد «ثورة 25 يناير»، وعادت إلى العمل من جديد بعد ثورة «30 يونيو»، حيث قامت بأكثر من زيارة الى الدول الافريقية، في محاولة لحل الازمة بين مصر واثيوبيا بشأن سد النهضة. كما قامت بزيارات لعدد من الدول الأوروبية، من بينها زيارة وفد من اللجنة للندن اليوم.
من جهته، قال المنسق العام لـ«تيار الاستقلال» المستشار احمد الفضالي لـ«السفير» ان التيار سيكون جزءا من الوفد الشعبي، وقد تقدم ايضا بطلب الى السفارة الروسية للذهاب إلى موسكو، في محاولة لتوطيد العلاقات بين البلدين، مضيفا: «سنعرب عن تقدير شعب مصر للموقف الروسي المساند للثوره المصرية» وتأتي هذه الزيارة في توقيت حساس، إذ تبدو وكأنها رد أول على قرار إدارة الرئيس باراك أوباما قطع جزء من المعونة العسكرية التي تقدمها لمصر، وهو يقدر بنحو 250 مليون دولار، في بداية الاسبوع الحالي، في خطوة رأى المراقبون أنها محاولة للضغط على الحكومة الانتقالية في مصر للإسراع في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
ومنذ إبرام اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، تتلقى القاهرة مساعدات أميركية سنوية بقيمة 1,5 مليار دولار، من بينها 1,3 مليار على شكل مساعدات عسكرية، وهذا ما مكّن مصر من الحصول على أكثر من 220 مقاتلة من طراز «إف 16»، ابتداءً من العام 1980، ما يضعها الآن في المرتبة الرابعة عالمياً في عدد هذه الطائرات، بعد الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا.
أما روسيا فقد زودت مصر كثيرا بالمعدات العسكرية والخبراء خلال العهد الناصري. لكن هذا التعاون تراجع أيام الرئيس انور السادات الذي فضل بعد حرب اكتوبر العام 1973 نقل وجهة مصر إلى الغرب، وتحديدا إلى الولايات المتحدة.
اليوم، تتجه انظار المصريين، على المستوى الشعبي، إلى روسيا منذ «ثورة 30 يونيو»، باعتبارها حليفا محتملا بعدما اتخذت الإدارة الأميركية مواقف داعمة لجماعة «الإخوان المسلمين».
وفي خطوة رمزية للغاية، علق المتظاهرون للمرة الأولى في ميدان سيدي جابر لافتة كبيرة تحمل صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرتديا الزي العسكري، وإلى جانبه صورة للرئيس الاميركي باراك اوباما طبعت عليها علامة «خطأ»، وذلك خلال تظاهرات تفويض الجيش المصري مكافحة الارهاب في 26 تموز الماضي، فيما شهدت مناطق أخرى تعليق صور ضخمة لبوتين وإلى جانبها صور للفريق أول عبد الفتاح السيسي والرئيس جمال عبد الناصر، وعبارات «باي باي أميركا».
وفي هذا الإطار، يرى الخبير الاستراتيجي والعسكري اللواء حمدي بخيت، في حديث إلى «السفير»، إن ثمة «فرصة لأن تعود مصر إلى الشرق في ما يخص العلاقات العسكرية».
ويرى بخيت في ذلك ضرورة ملحّة لمصر في الظروف الراهنة، ولضمان الامن القومي في المستقبل، موضحا أنه «لا يجوز ان تظل مصر تحت رحمة المساعدات العسكرية الأميركية، إذ يجب ان ننوع مصادرنا».
ويوضح بخيت أن «الشرق ليس روسيا فقط، إذ يمكن الحديث أيضا عن دولة مثل الصين، لديها خبرة جيدة في الصناعات العسكرية، وهي تتمنى التعامل معنا».
وكان الفريق أول عبد الفتاح السيسي قال، في مقابلة نشرتها صحيفة «المصري اليوم» الاسبوع الماضي، ان «المعونة العسكرية تم النص عليها وتحديدها ارتباطا بمعاهدة السلام التي تستند في أركانها على توازن القوى بين الأطراف، وبالتأكيد لها عائد إيجابي على تحقيق المصالح والأهداف المصرية والأميركية أيضاً»، مؤكدا في الوقت ذاته «أننا دائما ما نتحسب لجميع الاحتمالات، حفاظا على متطلبات الأمن القومي المصري الذي لا يقبل السماح بالتأثير السلبي عليه». وتقول استاذة العلوم السياسية في الجامعه الاميركية والخبيرة في العلاقات المصرية الاميركية الدكتوره منار الشوربجي إن «تغيير وجهة القاهرة الى الشرق امر في غاية الخطورة، ويجب التعامل معه بحذر، خاصة في الجزء الخاص بالعلاقات العسكرية»، مضيفة ان الزيارات الديبلوماسية الشعبية قد تكون تمهيدا للزيارات الديبلوماسية الرسمية بما يؤدي إلى تطور جديد في العلاقات بين روسيا ومصر».

صحيفة السفير اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى