مصر: أزمة إدارة الأزمة (خالد عزب)

 

خالد عزب


لم يمر حدث عاصف في مصر إلا وكان كاشفاً عن شلل الدولة المصرية في إدارة الأزمات، لذا بات ملحاً إعادة هيكلة هذه الدولة، وتدريب عناصرها على سرعة التجاوب مع الأزمات (اليابان أنجح دول العالم في ذلك، والنموذج الذي يحتذي به). وفي كل أزمات الدولة المصرية، بات واضحاً ترهل الجهاز الإداري وعقمه.
إن خير وسيلة لإدراك الأزمة والتماسّ معها هو توقعها قبل حدوثها والتخطيط لاحتمالات وقوعها، والتأكد من عدم تكرار وقوعها، لذا فإن حوادث مزلقانات القطارات وتصادمها المتكررة خير دليل على عدم تفكير الدولة في إدارة أزماتها، بل حتى بعد وقوع أزمة أسيوط لم نجد أي مسؤول يتحدث عن خطة شاملة، سواء لإدارة أزمات مرفق السكة الحديد أو تلافيها بتطوير هذا المرفق في المدى البعيد.
وأبسط القواعد في التعامل مع الأزمة هو إقامة غرفة عمليات في موقع الأزمة في زمن قياسي، لكن تعامل مستشفى أسيوط الجامعي مع مصابي الأزمة بطريقة غير مهنية يكشف عن غياب هذا النمط من التعامل، ما كرس عمق الأزمة لدى أهالي أسيوط.
وعند تعامل وزارة الداخلية مع أحداث شارع محمد محمود المتكررة، نجد تكراراً لنمط التعامل، فالوزارة لم تعلن منذ بدء الأحداث أنها مرفق عام لا يجوز الاعتداء عليه، وأنها ستتعامل مع من يرشق جنودها بحزم، كما أن الطرف الآخر في أحداث محمد محمود لا يعلن أن جنود الداخلية تحرشوا به وهاجموه، ويبين أسباب تصاعد الاشتباكات. هذا ما يجعل المواطنين العاديين يضعون علامة استفهام كبيرة حول هذه الأحداث: ما يجعلها أقرب إلى الفتنة منها إلى الصراع حول مبدأ.
هذا يقود إلى الإضرابات المتتالية في مصر، فالدولة تقف عاجزة عن مواجهتها في أحيان كثيرة، وبدلاً من انتظار الجميع لكي تعبر الدولة المرحلة الصعبة، بات البعض يبتز الدولة، أو يصفي حسابات مع بعض المسؤولين، أو يمارس ضغوطاً من أجل حقوق مهدرة، وفي النهاية أصبح كل من الدولة والشعب خاسرين، لأن الحقيقة الغائبة وسوء إدارة الأزمات المتتالية يصعّبان الأمور ويعقّدانها. كل هذا يؤدي إلى وجود أزمة إدارة الأزمة في مصر، الأمر الذي يتطلب الصراحة التامة في التعاطي مع الأزمة، وليس على نحو خطاب الرئيس محمد مرسي لتبريد الإعلان الدستوري الموقت، الذي خلق بدوره أزمة .
إدراك الأزمة وطرق معالجتها لاحظه شكسبير في مسرحية «أنطونيو وكليوباترا»، في الموقف الذي خاطب فيه مارك أنطونيو أعضاء مجلس الشيوخ بعد اغتيال قيصر، وكان بروتس قد نجح في إقناع الغوغاء من الرومان لتوه بأن قيصر لم يكن البطل الذي تصوروه، وأنه لهذا استحق القتل. في هذا الموقف، كان على مارك أنطونيو أن يقنع الناس بشيء آخر مختلف، وقد أدرك أنه إذا اعترض على ما قاله بروتس مباشرة فإن الناس سوف يقتلونه لأنهم في حال انفعال شديد وغضب حاد، لذلك استخدم أنطونيو سلسلة من الأدوات التي تدرّس كأساسيات في مهارات الاتصال الشخصي عند مواجهة الأزمات هى:
بدأ أنطونيو في مخاطبة الناس بقوله « أيها « الأصدقاء الرومان رجال الدولة، ذلك أننا نميل إلى تصديق الأشخاص الذين نعتبرهم جزءاً منا. ثم أضاف أنطونيو العبارة الثالثة «أعيروني آذانكم، لقد أتيت لأواري القيصر وليس لأمجده». عند هذه النقطة استطاع انطونيو جذب انتباه الناس… واستمر في ذلك إلى أن كسب تأييد الناس.
الكارثة الحالية هي عدم إدراك أن الرأي العام بات جزءاً هاماً في صناعة القرار، لذا فإن صدور القرارات من دون معرفة مدى إدراك الرأي العام طبيعةَ القرار، سيمثل أزمة تتصاعد، ومواجهة هذه الأزمة تأتي بأن يكون الرأي العام شريكاً في الحل.

صحيفة الحياة اللندنية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى