مصر: التوقعات الاقتصادية مستحيلة الجنيه يتدهور … والنمو 2.5 في المئة (أمينة خيري)

أمينة خيري

بين صولات وجولات غامضة مع صندوق النقد الدولي، وتفجيرات ملغومة على هيئة «صكوك إسلامية» غير واضحة المعالم، ووضع سياسي سمته الانشقاق الشعبي، وآخر أمني آفته الانفلات المقصود، تراوحت توقعات خبراء الاقتصاد لأداء مصر هذه السنة، بين الصعوبة الجمة والنمو المتعثر وزيادة الفقر، إلا إذا جدّ جديد!
جديد الاقتصاد في مصر، أبعد ما يكون من الصورة الوردية التي يحاول المسؤولون رسمها بالعبارات الرنانة. وفي محاولة لقراءته من خلال سلسلة مناقشــات الطاولة المستديرة في الجامعة الأميركية في القاهرة أول من أمس، بعيداً من وردية اللوحة الرسمية، رأى عالم الاقتصاد الأستاذ الفخري في الجامعة الأميركية جلال أمين، أن الأزمة الاقتصادية الحالية مرجعها سياسي يختلط بها انفلات أمني يبدو غير منطقي.
ويكلل هذا كله بتمويه عمدي رسمي للحقائق وقول عكسها، ما يجعل التنبؤ بأداء الاقتصاد على المدى القصير ضرباً من المستحيل. وفي محاولة لقهر المستحيل، رجح أستاذ الاقتصاد ومدير الاتصال المصري في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أحمد كمالي، استمرار الوضع السياسي على حاله هذه السنة، وهذا يعني استمرار انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار ليصل إلى سبعة جنيهات قبل انتصاف السنة، فضلاً عن عدم ارتفاع معدل النمو أكثر من 2.5 في المئة، وزيادة نسبة الفقر في شكل ملحوظ».
وبلغة الأرقام، بلغ معدل الاستثمار 16 في المئة من الناتج المحلي للسنة المالية 2011 – 2012، وانخفض في الربع الأول من 2012 – 2013 إلى 11 في المئة. ويجب أن ترتفع هذه النسبة لتتراوح بين 20 و25 في المئة من الناتج المحلي لتحقيق التنمية المستدامة. فيما تراجعت قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر من 13.2 بليون دولار في 2007 – 2008 إلى بليوني دولار عام 2011 – 2012 ، واستمرت على هذه الوتيرة في الربع الأول من 2012 – 2013 ، لتبلغ 1.8 بليون دولار.
هذا الرقم الكارثي والمترافق مع عجز الموازنة، سيؤدي حتماً على ما أكد أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية سامر عطا الله، إلى إجراءات تقشفية أو انكماشية، ما يعني رفع الضرائب غير المباشرة، علماً أن رفع الضرائب المباشرة أمر سهل ويصب في تحقيق أحد أهداف الثورة وهو «العدالة الاجتماعية». وسأل عن الأسباب الحقيقية لعدم تطبيق الضرائب التصاعدية أو الضريبة العقارية، وعدم الإصرار على زيادة الأعباء الملقاة على عاتق الفقراء.
ويشعر هؤلاء في ظل رئاسة محمد مرسي، باستمرار السياسات الاقتصادية التي قصمت ظهورهم في ظل النظام السابق، لا سيما في السنوات الأخيرة لحكمه، والتي شهدت اتجاهاً واضحاً إلى اقتصاد السوق، الذي أثبت فشلاً ذريعاً في مصر ودول أخرى.
وأشار عطا الله إلى أن الدليل على ذلك هو «استمرار انحياز الحكومة للاستثمار ورجال الأعمال بالحديث عن فتح الباب لمصالحة رجال الأعمال الهاربين من مصر، وإهمال الملفات الحرجة مثل إصلاح السكك الحديد الموصوفة بـ «آلة موت»، ما اعتبره انحياز النظام الحالي ضد فقراء مصر، الموعودين ببطاقات ذكية وكوبونات لصرف مستحقاتهم من الدعم، وكذلك بصعوبات أعتى يشوبها فساد في توزيع المستحقات خصوصاً ذلك المستشري إدارياً، حيث أن مسؤولية توزيع السلع والطاقة المدعومة، أبعد ما يكون عن الاجتثاث، ما يرشح زيادة الاحتجاجات والاعتصامات. فالاحتجاج المتزايد هو أحدى حلقات دائرة الاقتصاد المتأزم بسبب السياسة المتخبطة، التي «تعمل جاهدة على العودة بمصر إلى العصور الوسطى»، وفق ما أشار جلال أمين، وهو ما يعني عدم التعجب من عودة الاقتصاد كذلك إلى العصور الوسطى، مؤكداً أن السؤال القومي في مصر بات «مصر رايحة على فين؟».
أحـد أبرز المـــســارات الاقتصادية الذائعة الصيت، مسار «الصكوك الإسلامية»، والتي يشير إليها أمين متهكماً «لو صح ما يروج لهذه الصكوك من استقطابها 200 بليون دولار، فما الحاجة إذاً إلى هذه الندوة الاقتصادية أو إلى إجراءات التقشف أو قرض صندوق النقد الدولي؟». وتخوّف من أن تكون الصكوك الإسلامية أحد شروط صندوق النقد الدولي، وأن تكون تسليماً للقطاع العام، بما فيه المرافق العامة للأجانب، بل لا أستبعد أن تكون إسرائيل بينها!». يشار إلى أن قانون الصكوك الإسلامية بات جاهزاً ومقدراً له أن يصدر من مجلس الشورى خلال أيام.
وفي خضم هذه الصورة القاتمة، خرجت خبيرة الأسواق الناشئة ومدرسة الاقتصاد في الجامعة الأميركية في القاهرة منال عبد الباقي لتضيء شمعة اقتصادية خافتة، مشيرة إلى أن ما يحدث في مصر من تخبط وتعثر سياسي واقتصادي من سمات المراحل الانتقالية، وإن طالت المرحلة في مصر بسبب انقســام الشعب وعدم وجود قائد مؤهل لهذه المرحلة. ولفتت إلى أن مصرف «غولدمان ساكس» يصنف مصر ضمن أفضل 11 دولة مرشحة لتكون مناطق جاذبة للاستثمار، لكن ستُحذف في حال لم تنجز المرحلة الانتقالية بحلول عام 2014.
وطالبت بـ «عقد اقتصادي واضح وشامل لمصر، يقودها إلى نهضة اقتصادية تطبقها الحكومات بغض النظر عن انتماءاتها السياسية والحزبية، وهذا شرط للتفاؤل».

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى