مصر: الشعب والثورة في خط (سمير كرم)

 

سمير كرم

بلا مقدمات، لم تعد لها ضرورة، تبدو مصر الآن قريبة من السيناريو السوري كما لم تبدُ في اي لحظة من قبل.
فعلى الرغم من اختلاف الموقفين والحالتين بدأت مصر تشهد صدامات بشرية بالسلاح. بدأت تعد القتلى بالعشرات والمصابين بالمئات. الصدامات البشرية بين المصريين بالسلاح تشمل المدنيين والعسكريين. ولم يعد باقياً إلا ان نسمع تفجيرات كبيرة تهدم المباني المدنية والحكومية. وعلى اي الاحوال فإن قادة «الاخوان المسلمين» الذين لا يزالون طلقاء يعدون بما هو أفظع وأشد خطورة من كل ما جرى.
بلغ التشابه بين الوضع في سوريا والوضع كما يتطور في مصر ان وجد «الإخوان المسلمون» في مصر أن بإمكانهم ان يستخدموا صورة أطفال من الضحايا السوريين يعود تاريخها الى شهر آذار الماضي على انها صورة لا يزيد عمرها عن ايام قليلة لأطفال مصريين سقطوا ضحايا لنيران قوات الجيش المصري. ولم يكن عسيراً على المختصين في الجيش المصري ان يكشفوا الخدعة الإخوانية وأن يأتوا بالصورة التي كانت قد نشرتها الصحافة السورية ليثبتوا كذب الدعاية الإخوانية.
الجيش المصري من جانبه يمارس اقصى درجات ضبط النفس. أعلن انه لن يسمح بالعبث بالأمن القومي المصري. لكن الشيء الأهم من كل ما يمكن ان يؤديه الجيش المصري في مواجهة «الاخوان المسلمين» ومؤامرتهم الكبرى التي لا ترمي الا للاحتفاظ بالسلطة بأي ثمن، مادياً كان او بشرياً، هو ان الجيش المصري، الذي يحتفظ بجوهره وتماسكه ويظهر صبراً وتأنياً يفوق كل وصف، هو الآن آخر جيش عربي كبير يحتفظ بوزنه وبقوته باعتباره أهم القوى العسكرية في المنطقة العربية. هو الآن آخر جيش عربي كبير يقف في صف واحد مع الشعب المصري والعربي متحدياً كل الأخطار المحدقة بهذا الشعب ومصالحه، بل مصائره في مواجهة الاخطار التي تفرضها الاحداث الاخيرة التي قلبت موازين المنطقة العربية منذ اكثر من سنتين رأساً على عقب. يبقى الجيش المصري القوة الوحيدة الباقية التي تستطيع ان تواجه هذه الأوضاع الخطرة التي وضعت المنطقة كلها في موقع الخطر.
يواجه الجيش المصري الآن تحالف تنظيم «الاخوان المسلمين» مع الخارج. نعني بالخارج كل القوى ذات الوزن الضاغط على المنطقة ابتداءً من تركيا التي اظهرت تحالفاً مع «الاخوان المسلمين»، حتى بعد أخطائهم وخطاياهم بحق الشعب المصري، وانتهاءً بالولايات المتحدة الاميركية. وليس خافياً بأي حال ان اميركا تلعب الدور الاكبر في احداث المنطقة، وان اميركا التي لعبت الدور الاكبر في ليبيا وتلعب الدور نفسه في اليمن وتلعب الدور الاخطر الآن في سوريا، انما تريد ان تؤدي دورا موازيا ومماثلا في مصر. إن احداً لا يستطيع ان يغفل عن الوئام الى درجة التحالف الذي قام بين اميركا و«الاخوان المسلمين» منذ ان برز دورهم في حكم مصر. لم يخف «الاخوان المسلمون» علاقتهم بالولايات المتحدة حتى وهي تؤدي أخطر ادوارها في المنطقة العربية. ولم تخف اميركا علاقتها بـ«الاخوان المسلمين» وهم يصعدون الى السلطة وحتى وهم يتراجعون عنها في الاسابيع الاخيرة.
واذا ركزنا اهتمامنا على الفترة الاخيرة التي بدأت بثورة الشعب المصري ضد وجود «الاخوان» في السلطة فإننا نستطيع ان نلمس قوة العلاقات التي ربطت بين «الاخوان» والاميركيين، سواء الاميركيين المسؤولين في واشنطن او الاميركيين الذين يمثلون واشنطن في مصر. ولقد بدت على السطح علاقة السفيرة الاميركية في القاهرة آن باترسون مع القادة «الاخوان» الذين كانوا يحكمون مصر رسمياً. إن لقاءات السفيرة الاميركية بقيادات «الاخوان» الذين يفترض انهم خارج السلطة قد طالت الى حد لافت لأنظار المصريين والاميركيين على السواء.
لقد تجاوزت السفيرة باترسون كل حدود مهمتها الديبلوماسية في تركيزها على العلاقة الخاصة مع زعامات «الاخوان المسلمين» في مصر، ووصل الامر الى حدود الرفض من جانب الشعب المصري والى حدود النقد من جانب الصحافة الاميركية. ومع ذلك، ما كان من الممكن ان يتصور احد ان السفيرة الاميركية انما ترسم بنفسها سياساتها وخطوط علاقاتها بالقوى السياسية في الدولة التي تمثل بلادها فيها. فتلك مهمة وزارة الخارجية الاميركية والبيت الابيض بحكم ثقل مصر ودورها في المنطقة التي تقع فيها. فكان لا بد من الاستنتاج بان ادارة الرئيس اوباما الاميركية معنية بهذه العلاقة بين سفيرتها في القاهرة وسلطة «الاخوان المسلمين». وبالتالي لم يكن هناك اي مبرر لهذه العلاقات الخاصة الا مبرر ما تسعى اليه الولايات المتحدة بذاتها في مصر وفي المنطقة.
كانت الولايات المتحدة قد قطعت اشواطا بعيدة في تنفيذ مخططاتها في الشرق الاوسط، بمساعدة قوية، مالية وديبلوماسية وأحيانا عسكرية، من جانب حلفاء الولايات المتحدة المقربين في المنطقة، وخاصة السعودية والامارات العربية المتحدة وقطر والبحرين. وقفت سوريا عقبة عسكرية وسياسية في وجه الولايات المتحدة ومخططاتها، في حين وقفت باقي الدول العربية كلها تقريبا موقف المتفرج. وبينما كانت الولايات المتحدة تمهد لإخضاع مصر لمخططها الخطير اذا بتطورات مصر الداخلية اعتبارا من «30 يونيو» تغير معطيات الوضع في مصر وفي المنطقة بحكم اهمية دور مصر وعلاقاتها. كانت تطورات مصر المنبئة عن غياب جماعة «الاخوان المسلمين» عن المشهد بإزاحتهم من الحكم تطورات مربكة للولايات المتحدة. وقد ظهر ارتباك الولايات المتحدة في انها بدأت متمسكة بسلطة «الاخوان المسلمين» حتى وهي تتهاوى. في البدايات الاولى لهذا التهاوي الاخواني حاولت الولايات المتحدة ان تساند حكم «الاخوان المسلمين» على حساب علاقات اميركا بمصر. بدا بوضوح ان واشنطن الرسمية كانت تريد ان تؤيد «الاخوان المسلمين» في حكم مصر حتى حينما كانوا يلوحون باستخدام العنف ضد الشباب المصريين الذين تقدموا صفوف المقاومة ضد حكمهم. وازدادت حيرة الولايات المتحدة ـ خاصة البيت الابيض، الامر الذي بدا واضحاً في تصريحات الرئيس اوباما عن احداث مصر. بدأت هذه التصريحات مستعدة للوقوف الى جانب سلطة «الاخوان المسلمين» الى حد التلويح بقطع المعونة الاقتصادية عن مصر، ثم أخذت تتراجع عن هذا التأييد بصورة شبه يومية. بدا بوضوح ان المؤسسة العسكرية الاميركية تختار الابتعاد اكثر من غيرها من مؤسسات الحكم الاميركية عن خطوط تأييد «الاخوان المسلمين»، خاصة عندما اذاع الفريق اول عبد الفتاح السيسي بيانه الفاصل بشأن تغيير السلطة في مصر. وقد تميز في تحديد الموقف الاميركي موقف الجنرال مارتن ديمبسي رئيس اركان القوات الاميركية المسلحة الذي قال «ان الشعب المصري هو من يختار حكومته». جاء ذلك بعد ان قالت الرئاسة الاميركية، عقب اجتماع للرئيس اوباما مع فريقه للامن القومي لبحث الاوضاع المصرية، «ان الولايات المتحدة ترفض رفضا قاطعا الادّعاءات الكاذبة التي يروجها البعض في مصر ومفادها اننا نعمل مع احزاب سياسية او حركات محددة لإملاء العملية الانتقالية في مصر».
في الوقت نفسه قال وزير الخارجية الاميركي جون كيري ان بلاده ترفض المزاعم الكاذبة بانها تؤيد جماعة «الاخوان المسلمين» او اي حزب سياسي او حركة مصرية بعينها. في تلك الأثناء كان وزير الدفاع الاميركي تشاك هاغل يجري اتصالات هاتفية متعددة مع نظيره المصري السيسي، وأكد بعدها الحاجة الى انتقال مدني سلمي في مصر وأهمية الأمن للشعب المصري والدول المجاورة والمنطقة. لقد ظهر بوضوح ان الادارة الاميركية حرصت على ان تنأى بنفسها عن استخدام مصطلح «انقلاب عسكري» في وصف التطور الحادث في مصر. ولم يكن هذا الاصطلاح غريبا عن التصريحات الاميركية الاولى بشأن تطورات مصر.
لكل هذا يبقى جليا ان تطورات مصر اربكت الولايات المتحدة. ولا بد من ان نعي ان الارتباك الاميركي لا يتعلق فقط بشأن العلاقات المصرية – الاميركية انما يتعلق اساسا بما تحدثه تطورات مصر بشأن الخطط الاميركية في المنطقة العربية.
والآن، ومصر تتعرض لخطر السيناريو السوري بسبب تمسك «الاخوان المسلمين» بالسلطة، يبدو واضحاً ان مصر هي في الظروف الراهنة اكثر مما في الظروف العادية البلد المحور الذي ترتكز على قدراته، العسكرية بشكل خاص، مقاومة المخطط الاميركي الجديد في الشرق الاوسط.

صحيفة السفير اللبنانية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى