مصر بانتظار نتائج الاستفتاء: نهاية العالم ليست اليوم (وائل عبد الفتاح)

وائل عبد الفتاح

عشية الجولة الثانية والأخيرة من الاستفتاء على الدستور الجديد، انفجر الوضع في الشارع، وتحديداً في مدينة الإسكندرية، التي شهدت مواجهات عنيفة بين متظاهرين مؤيدين للرئيس محمد مرسي ومعارضين له.
واستخدمت قوات الأمن المركزي الغاز المسيل للدموع وأقامت حاجزاً من عناصرها للفصل بين المتظاهرين الإسلاميين المؤيدين لمرسي ومعارضيه الذين تراشقوا بالحجارة في محيط مسجد القائد ابراهيم في الإسكندرية وسط جو غائم. وتحدثت وزارة الداخلية عن 62 جريحاً بينهم 12 من عناصر قوات الأمن.
ومن المقرر أن تجرى اليوم الجولة الثانية والأخيرة من الاستفتاء على الدستور في 17 محافظة، وذلك وسط رفض الغالبية العظمى من القضاة الإشراف على عملية التصويت، فيما يتوقع أن تصدر النتائج الأولية للاستفتاء في ساعة متأخرة من ليل اليوم.

ـ 1 ـ
كأنه يوم القيامة.
ينتظر المصريون أن يكون إعلان نتيجة الاستفتاء على الدستور اليوم هي نهاية وبداية… لا يعرف من يسأل أو من يحاول الإجابة نتيجة رحلة السير إلى المنحدر الذي بدأ منذ الإعلان الدستوري الأول في ٢٢ تشرين الثاني الماضي، وإلى ان انقسمت مصر إلى فسطاطين، بلا نقطة لقاء بعدما ضاعت رسائل المطالبة بوقفة قبل المنحدر، من المعارضة، وبعدما تحولت دعوة الجمعية التأسيسية للحوار/المناظرة إلى مسخرة من كوميديا الكباريه السياسي، في غياب المعارضة والإصرار على بقاء مقاعدها فارغة، ليتحاور رجال مرسي مع رجال مرسي، في مشهد خلفيته أصوات انتهاكات في جميع مدن المرحلة الثانية، لتلعب الإخوان على نفس هيكل تزوير الإرادات لتصل في مدن وقرى الصعيد إلى خطة منع المسيحيين من التصويت واللعب كاملاً على التقسيم

الطائفي: الـ«نعم» في الجنة والـ«لا» في النار. واللعبة الكبيرة على الخوف من المستقبل فالدستور سيصنع الاستقرار، يقولون هذا للفقراء عن دستور ضدهم.

ـ2ـ
زفة إسكندراني
مليونية الدفاع عن الأئمة تحولت إلى الدفاع عن «نعم» والهتاف باسم مرسي… وانتهت بحرب شوارع طارد فيها أهالي الإسكندرية مجموعات من ميليشيات «حازمون» التي أعلنت أنها ستؤدب المدينة التي حاصرت الشيخ المحلاوي ومسجد القائد ابراهيم. الغارة الانتقامية كانت استعراضاً للرد على حصار الـ١٣ ساعة يوم الجمعة الماضي بعد حفلة تعذيب لمعارضي الدستور.
الشيح حازم صلاح أبو إسماعيل أعلن عن مليونية الانتقام، لتكون استكمالاً لعودته إلى المسرح السياسي بعمليات بدأت بحصار مدينة الإنتاج الإعلامي وحتى حرق مقر حزب الوفد وإلى تهديدات بحصار الأقسام. الشيخ لم يحضر لأن «شاحن الموبايل الخاص به ضاع منه ولم يستطع التواصل مع المليونية».
وهذه وحدها كانت كفيلة بامتزاج روائح الحرب بالسخرية التي وصلت إلى تسمية أنصار الشيخ بـ«شاحنون»، وخرجت حكايات عن شاحن الشيخ متزامنة مع خروج نساء من الأحياء الشعبية تطارد ميليشيات الـ«نعم».

ـ 3 ـ
إلا الجيش
البيانات العسكرية لم تكن رسمية، لكن غضبها وصل إلى الجميع رداً على تصريحات محمد بديع، مرشد الإخوان، عن إدانة قيادات الجيش… وبديع تراجع وفسر «لم أقصد بأجناد مصر، الجيش، ولكن شعب مصر».
الجيش رسمياً واصل إعلاناته عن الحياد، بينما ما زالت الأسئلة عن الموقف من حالة الفوضى المتفجرة بسبب قرارات مرسي. وفي انتظار حركة الكاكي بدت تعبيرات المرشد مثيرة للاستغراب: هل هذه إشارة إلى ان الإخوان فقدوا خطوط التواصل مع الجيش بعد القضاء؟
انسحابات القضاة جعلت الاستفتاء عارياً من الشرعية، ومهدداً بالبطلان، وهذا ليس كل شيء، خاصة انه في اليوم التالي للاستفتاء ستنفجر قنبلة النائب العام بعد تراجعه عن الاستقالة لتشتعل الحرب إلى ما لا يمكن السيطرة عليه.
وستنفجر أيضاً قنبلة الاقتصاد التي كشفت عنها زيارة فاروق العقدة، محافظ المصرف المركزي، لمرسي منذ أيام، والتي لم تكن فقط للاستقالة، لكنها للإعلان عن أن كل القدرات على تجاوز الأزمة الاقتصادية استنفدت.
والخبراء في الاقتصاد يقولون إن مصر على وشك الإفلاس ويختلفون على المدى الزمني من ثلاثة أسابيع إلى ثلاثة شهور. ما ناقش فيه بعضهم ليس تهديداً أو جرس إنذار لكنه «واقع سيصدمنا فعلاً خلال فترة قصيرة، عندما تعجز الحكومة عن دفع المرتبات مثلا، أو تضطر إلى إعلان الإفلاس على طريقة اليونان».
هذه كوابيس؟ الخبراء يقولون إنها ليست كذلك لأن الاحتياج الآن إلى ٤٠٠ مليون جنيه أسبوعياً يعني أننا دخلنا منطقة الكوارث الاقتصادية. وهنا ليس لدى المرسي شيء يحمي مصر من الكارثة.
ولم يعد لديه رصيد سياسي ولا مصداقية تسمح بانتظاره أو للاطمئنان إلى سياسات اقتصادية تعتمد علي رعونة الإخوان في إنهم قادرون على حل كل المشاكل وحدهم…وهو ما يثبت فشله وعجزه وخيبته.
الإخوان ليس لديهم مشروع اقتصادي غير كلمات الإنشاء المحشوة في مشروع النهضة التافه فكرياً واقتصادياً وسياسياً، ويتصورون أنهم «أبطال خارقون» سيحلون ما تعجز دول كبرى عن تجاوزه إلا عبر عقول اقتصادية كبيرة.
يتصور الإخوان ان حلولهم ستأتي غرباً، وأن أميركا والغرب يمكنهم صنع المعجزة وإنقاذ مصر من الإفلاس. وهذه خرافات وأوهام تنافس أوهامهم السياسية، وتجعلهم نموذجاً جديداً للفشل لا يستطيع حتى أن يكون إيران ولا باكستان.
ويبقى السؤال إذاً لمنتظري النماذج المعلبة أو للباحثين عن تفسير من الخبرات الواقعية سؤال نفكر فيه جميعاً: هل يمكن إنقاذ مصر من النهاية على الطريقة الإخوانية؟

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى